نور على نور

دعوة رئاسية جريئة

الخطاب الإلهي موجّه للناس كافة دون تمييز

عندما انتهى الباحث والمفكر الإماراتي، علي محمد الشرفاء الحمادي، من كتابه المهم «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، كان حريصًا على أن يهدي هذا العمل الفكري والتنويري المتميز، والبحث المفصل عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك لسبب مهم أورده في الإهداء بالكتاب، والذي نورد جانبًا منه في السطور التالية.

يقول المفكر العربي، علي الشرفاء، في المقدمة: «أهدي هذا الكتاب لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، الذي أطلق صرخة اهتز لها العقل العربي ووجدانه، من أجل تجديد الخطاب الديني، أيقظت عقولًا صدئت، وأقوامًا هجروا كتاب الله واستبدلوه باجتهاداتٍ بشرية فتجمدت عقولُهم، عندما استسلموا لما فيها من إسرائيليّات وروايات تنفثُ سمومها في عقول المسلمين، وأهملوا فريضة التفكير التي أمر الله بها عباده ليتدبّروا بعقولهم خطابه لهم، حيث قوله تعالى:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ) (البقرة : 170).

ونظرًا لما قامت به بعض الفرق الإسلامية من أعمال إرهابية، في العالم العربي، وبعض دول العالم، وما ارتكبته من جرائم باسم الإسلام الذي تسببت أفعالهم في تشويه رسالة الإسلام الإنسانية، وما دعت إليه الناس من رحمة وعدل وحرية وسلام، كما جاءت به آيات القرآن الكريم.

 

ضرورة تجديد الخطاب الديني

لقد أيقظت يا سيادة الرئيس بدعوتك التاريخية، تصويب الخطاب الديني لتحفيز الفكر، واستنهاض العقل للبحث، والتمحيص في كتاب الله الكريم، عن أسباب ما جرى، وما يجري على الساحة العالمية، والساحة العربية، باسم الإسلام.

وقد تفاعلتُ بكل الإيمان بالله، بصرختك، التي تضمنت في عمقها تمردًا يعتمل في النفس، ويرفض ما يشوه صورة الإسلام والإساءة إلى نبي الرحمة، وتبحث عن الأسباب، التي خلقت حالة العدوان ضد الإنسان، والتي دفعت بآلاف الشباب إلى السقوط في منظمات القتل والإرهاب، وبما أن لكل شيء سببًا، ولكل عمل نتيجة، فلا بد من البحث عن حقيقة الأسباب التي أدت لتلك الكارثة.

لقد أرسل الله رسالته للناس تضمنها الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، وبدأ خطابه ــ جلَّ وعلا ــ بقوله:

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإنسان مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)) (العلق: 1-5).

بهذه الآيات يُخاطب الله سبحانه العقل، ويدعو الناس للتفكير، ويحاورهم بالمنطق، ليتحقق للعقل سلامة الفكرة للاقتناع بها، وعندئذٍ يترسخ الإيمان بها في قلب الإنسان، يحميها عقله من أي ذبذبات سلبية ومقولات دينية، أو روايات مزورة تسعى لتشويه ما آمن به، وأدركه عقله من حقائق إيمانية بالآيات القرآنية، التي تقدِّم للناس دعوة التفكر، واستعراض مجموعة من الحقائق الكونية، إن هي إلا تحفيز للعقل واستثارته ليتفاعل مع الآيات القرآنية والحقائق الكونية ليتحقق للإنسان إدراكٌ يقيني بأن الله وحده لا شريك له، هو خالق السماوات والأرض، وأن نتفاعل مع الخطاب الإلهي الذي أرسله الله للناس كافة.

 

بالآيات القرآنية.. الإسلام ليس حكرًا على طائفة أو ملة

كما قال تعالى:

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ: 28).

وقوله تعالى:

(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف: 158).

وقوله تعالى:

(قُل يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِوَكيلٍ) (يونس: 108).

وتؤكد الآيات المذكورة، أنَّ الله أرسل رسوله محمدًا ــ صلى الله عليه وسلم ــ للناس كافة، ولم يرسله لطائفة أو طبقة مميزة من الناس، حيث الناس كلهم عند الله سواء، وكل يحاسب بعمله، وكل يجازى به، وذلك يؤكد ما يلي:

أولًا: إنَّ الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، موجه للناس كافة دون تمييز لدين أو عقيدة أو طائفة أو طبقة أو مذهب أو فرقة.

ثانيًا: إنَّ الرسالة الإسلامية التي تضمنها القرآن الكريم تخاطب الناس جميعًا، بالتفاعل الفكري مع آيات الله في كتابه الكريم، لتمكنهم من استنباط التشريعات اللازمة لتنظيم أمورهم الدنيوية، واتباع قيم الإسلام الراقية في السلوك والتعامل مع كل البشر، تنفيذًا لقوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات: 13).

ثالثًا: تؤكد هذه الآية سقوط كل الامتيازات الاجتماعية باسم الدين، وعدم وجود طبقة دينية مميزه تماثل طبقة الكهنة عند بعض العقائد، التي تحكم باسم الدين وتوجه المجتمعات الإنسانية حسب أهدافها السياسية والمادية والعاطفية والمعنوية، وكل الناس متساوون أمام القانون في الحياة الدنيا، ويتساوى البشر جميعهم أمام الله يوم الحساب وكل بعمله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى