د. إبراهيم الهدهد: شبابنا يُستلبون منَّا
عدم تصويب الخطاب الإسلامي يؤدي إلى ضياع الأجيال المعاصرة

حذر د. إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، من أنَّ عدم عرض الصورة الصحيحة للإسلام على الأجيال الجديدة يؤدي إلى أن شبابنا يُستلبون منَّا، في ظل انتشار الخطاب الديني المفكك.
وطالب الهدهد بمنع الأفكار الشاذة والضالة التي أصبح التقاطها بسيط جدًا، ويحصلون عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسهولة لكن لا يدرون مدى حقيقتها أو صحتها.
وأضاف أنه إذا لم يتم تجديد الخطاب الإسلامي والآليات والوسائل الخاصة به سيؤدي إلى ضياع الأجيال المعاصرة المظلومة؛ وإلى تفاصيل الحوار..
- ما هي الأولويات التي يحتاجها واقعنا من الخطاب الإسلامي في الوقت الحالي؟
– واقعنا المعاصر يحتاج إلى الخطاب الذي يهتم بقضايا الإنسانية، لأنَّ الدين أتى لتكريم الإنسان، فيجب أن نبعث في الناس القيم الإسلامية العليا.
تلك القيم تؤدي إلى تكريم الإنسان الذي جعله ربه محور كونه وخلق له الكون، لأنَّ هذا هو الإسلام الحقيقي، عكس الخطاب الديني.
قال الله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء: 70).
وسخَّر الله للإنسان البحر والبر وكل ذلك، لكن من المؤسف أن كل هذا الفكر مفقود في الوقت الحالي.
- وما الإجراءات اللازمة لذلك وكيفية التطبيق؟نُعاني من وجود الكثيرين الذين يرتكزون على الذاتية والمصالح الشخصية والأنا وهذا ما يُفسد الأمر، لأنَّ لهم معتقدات بعينها لا يريدون التنازل عن شيء فيها.
الفكر الفردي دائمًا عواقبه ليست سديدة، لذلك لا بد من الفكر الجمعي الذي يتجه إلى توحيد القضايا التي يجب أنْ يهتم بها المتخصصون ومن لديهم علم على مستوى العالم.
يجب العناية ببناء الإنسان وكرامته وحقوقه بما فيها حقوق الطفل والمرأة وما إلى ذلك، ولدينا قضايا شائكة لا يقترب منها الناس لذلك نجد أنَّ الاختلافات تكثر.
ونجد أنَّ بعض الأمور تؤدي إلى الشقاق في المجتمع، مثل الاعتداء على غير المسلمين، رغم ما جاء في الآية الكريمة فقال تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (المائدة: 5).
والسبب في ذلك يكمن في استناد البعض على نصوص وآراء غير صحيحة، والانشغال بقضايا فرعية.
ضرورة تحصين الطلاب ضد أفكار الخطاب الديني
- هل يجب مراجعة كل ما يُقدّم من مواد دراسية إلى الطلاب في المدارس؟
– بالطبع، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وإذا لم نُقدِم إلى عرض الصورة الصحيحة فإن شبابنا يستلبون منَّا، خاصة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
تلك الوسائل قد تؤدي بالشاب إلى الوقوع في فتوى لجماعات متطرفة ومتشددة، وتكون نفسه مهيأة فيستجيب لها ويؤدي في النهاية إلى فساد أفكاره ويعادي والديه ومجتمعه.
لا بد من مراعاة ما يُدرّس إلى الصغار، فنحن في حاجة إلى منع الأفكار الشاذة والضالة التي أصبح التقاطها بسيط جدًا، ويحصلون عليها بسهولة لكن لا يدرون مدى حقيقتها أو صحتها.
وإذا لم يتم تجديد الخطاب الإسلامي والآليات والوسائل الخاصة به سيؤدي إلى ضياع الأجيال المعاصرة المظلومة.
- ماذا عن ترسيخ التنوّع وحرية الرأي؟
– يجب الترسيخ في الأذهان فكرة القبول بآراء الآخر وعدم الاعتداء عليهم لمجرد اختلاف وجهات النظر، لأنَّ الله خلق الكون مبني على التنوع، وإذا لم يحدث ذلك لفسدت الحياة.
- وكيف ترى التجرؤ على الفتوى بحجة أنها حرية رأي؟
– هناك فرق بين التديّن الذي يعتمد على عبادة الله، والفتوى في شيء يحتاج إلى علم ومعارف وفهم الأمور جيدًا ولا يحق لأي شخص أنْ يُقدم عليها.
ذلك أدى إلى خروج حالة من فوضى الفتاوى في المجتمع، وفي النهاية لا أحد يحتكر الدين.
- وماذا عن استخدام مصطلحات في غير موضعها للعمليات الانتحارية؟
– هذا فكر غير صحيح، وعندما يلجأ المُخالف في الرأي إلى سفك الدماء فتكون كارثة وهي مبنية على فكر معوَّج، ونجدهم هم من أكثر الناس تشددًا.
والإرهابيون يريدون تأصيل العمليات الانتحارية والتفجيرات في المساجد بحجة أنها استشهادية ضد المخالف لهم في الرأي وهي طامةٌ كبرى.
- التوظيف السياسي للدين أدى إلى العديد من الإشكاليات.. كيف ترى ذلك؟
– من المخطئ استغلال الدين في خدمة السياسة، لأنَّه في بعض الحالات يتم وضع أحاديث تُنسب زورًا وبهتانًا للرسول لخدمة مصالح فئة بعينها، ما يحدث حالة من الاقتتال ولذلك أُريقت ملايين الدماء بين المسلمين.
تأليف القلوب في الخطاب الإلهي
- وماذا عن المنهج القرآني في تأليف القلوب؟
– سورة النساء تُرسي أسس التواصل المجتمعي والإنساني، فلا بد من اتباعها والاعتماد على حرية الاعتقاد وحقوق المواطنة، والبعد عن الفرقة حتى يحدث التآلف بين الجميع.
وهي ترسم صورة التواصل الإنساني بين بني البشر، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1).
وإذا خلقنا الله من نفس واحدة فكيف نتقاتل ولا نعيش في سلام؟.. وكذلك قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107).