رد فعل مختلف تجاه الإسلاموفوبيا
الحرب الاستفزازية موجودة منذ العصور الوسطى مثلما هي اليوم أو أكثر

تحت عنوان «رد فعل مختلف تجاه الإسلاموفوبيا»، كتب د. مصطفى الفقي، مقاله المنشور في جريدة «الأهرام» حول الحملات والافتراءات ومحاولات تشويه الدين الإسلامي، مطالبًا فيه تغيير ردود الفعل تجاه الجرائم التي يرتكبها أعداء الإسلام.
يقول الكاتب في مستهل مقاله: هذا موضوع شائك على مستوى العالمين الإسلامي والعربي وأنا أريد أن أطرح هنا تصورًا مغايرًا لما تعودنا عليه كلما جرى هجوم على الإسلام الحنيف أو نبيه الكريم، إذ تخرج المظاهرات وتنتشر الاحتجاجات وقد يسقط ضحايا خلالها، لأن المساس بالعقيدة يستنفر أصحابها ويدفعهم لرد فعل غاضب وعنيف تكون نتائجه سلبية على الإسلام والمسلمين حيث نبدو وكأننا قد أصبحنا رد فعل لكل -من يحك يده على أنفه- كما يقول المثل الشائع مستفزًا المسلمين في مشاعرهم على نحو يخدش إيمانهم الذي لا يتزعزع.
تشويه الدين الإسلامي منذ العصور الوسطى
ويضيف: ولقد اكتشفت أن تلك الحرب الاستفزازية موجودة منذ العصور الوسطى مثلما هي اليوم أو أكثر، وأن الإسلام كان مستهدفًا على الدوام ولم تتوقف الحملات ضده ولا الافتراءات على أتباعه، وقد قال لي أكثر من مرة أستاذ الفلسفة الإسلامية الراحل د.محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق والذي درس في أوروبا سنوات طويلة، أن استهداف الإسلام من خلال أكاذيب المغرضين وافتراءات الحاقدين ليس جديدًا، بل عرفته عصور أخرى جرت خلالها محاولات تشويه الدين الإسلامي وبلغت حدودًا من الضراوة والقسوة، ولكن الإسلام بشموخه ومكانته ظل عصيًا على أعدائه لا ينالون منه ولا يقدرون عليه.
ويشير د. الفقي إلى أن الرسوم المسيئة إلى الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – ليست جديدة ولا بنت الحاضر وحده، بل هي تراكم عبثي لعقول مريضة ونفسيات متعصبة حاولت دائمًا أن تنال من الإسلام وأتباعه ولديها رواسب من مواجهات حروب الفرنجة المسماة خطأً بالحروب الصليبية، بينما المسيحية النقية منها براء، كذلك فإن مواجهة الأندلس عند سقوطه وطرد المسلمين منه كانت هي الأخرى محطة من محطات المواجهة التي تركت أثرًا سلبيًا على صورة الإسلام لدى من لا يعرفونه جيدًا ولا يدركون أعماق فلسفته المتسامحة والتي تتعايش مع الغير ولا تعادي الآخر.
العرب ساميون
ويلفت إلى أنه إذا كان اليهود يصيبهم الفزع إذا جرى المساس بما يعتبرونه ساميًا مع أن ذلك جنس لا ينفردون به وحدهم؛ فالعرب ساميون أيضًا ولكن الدهاء اليهودي تمكن من بلورة إحساس مريض يخصهم لابتزاز الغير وتصوير ما يسمونه بالسامية وكأنها قدس الأقداس، وأن أي نقد لخطايا اليهود وجرائم إسرائيل هو جريمة في حق الجميع، ولقد تمكنوا من الحصول على تشريع أممي بتجريم العداء للسامية بينما ما زلنا نحن المسلمين نسعى لاعتبار الإسلاموفوبيا جريمة موجهة ضد ذلك الدين السمح في جوهره النقي ومعدنه السليم الذي جعل التفكير فريضة إسلامية وفتح باب الاجتهاد، واعتبر أن ما تجمع عليه الأمة في وقت معين هو جوهر القرار المشترك لجموع تلك الأمة ما دام يصب في مصلحتها ولا يتعارض مع غيرها.
ويذكر أنه لذلك فإن الذين يعادون الإسلام لا يدركون مراميه الحقيقية وأهدافه الصادقة، لذلك فإن الذين يحرقون المصحف الشريف ويتطاولون على الإسلام الحنيف هم مدفوعون بجهل شديد وحقد دفين، ولهم أهداف خبيثة تسعى لتعويق الدين والعدوان على فلسفته العميقة.
لماذا نسقط في الفخ كل مرة؟!
ويستنكر الكاتب: ولكن الشيء الغريب هو أننا نسقط في الفخ كل مرة ولا نفيق إلا ونحن موضع الشماتة في بحيرة من الأكاذيب والأراجيف والافتراءات، لذلك فإنني أطالب مخلصًا بضرورة تغيير ردود الفعل الإسلامية تجاه الجرائم التي يرتكبها أعداء الإسلام مقتنعًا أنها فقاقيع فاسدة لا تلبث أن تنتهي وتصبح بغير أثر أما مظاهراتنا الصاخبة وصيحاتنا العالية فإنها تحسب علينا وتغري الآخر بالتمادي في استفزازنا، فلو لم يكن هناك رد فعل كبير لدى المسلمين عن كتاب سلمان رشدي، ما عرف عنه الناس اسمه ولا ما كتبه ولا ذاع صيته إلا بردود فعلنا والتفرغ لإدانة ما يقال ضدنا غير مدركين أن ذلك هو الهدف من فعلتهم الشنعاء وجريمتهم المتكررة التي تعكس الحقد الدفين على دين ينتشر أتباعه في أنحاء الكوكب وترتفع مآذن مساجده في أنحاء الدنيا.
دعوة للتوقف عن الاندفاع
وفي ختام مقاله يدعو الكاتب المسلمين إلى التريث والتوقف عن الاندفاع في مواجهة كل استفزاز يتحرش بنا أو يسعى للنيل من عقيدتنا، ويبقى لنا فقط السعي خلال المنظمات الدولية لإيقاف ذلك الطوفان من العدوان الآثم على عقيدتنا دون سباب للغير أو تراشق بالعبارات، فللدين رب يحميه والإسلام عرف كل موجات الاضطهاد وانتصر عليها وواجه كافة الافتراءات وخرج منها، إن الإسلاموفوبيا هي واحدة من جرائم العصر التي تكرس عنصريتها، وتفتح أبواب الخلاف الذي لن يوصد أبدًا، فالمسلمون يحترمون كل العقائد، ويؤمنون بأن الدين لله وأن الأوطان لأبنائها دون تفرقة أو تمييز أو إقصاء.