الخطاب الإلهى

سُنَّة كونية يكفر بها تجار الخطاب الديني

الجماعات المتشددة تكفر بالتنوع وتقاتل من أجل توحيد الأمة على روايات باطلة

التنوّع سُنَّة كونية جعلها الله في كل شئ لضمان إعمار الأرض واستقرارها، فجعل الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، لينتفع الإنسان بالشئ وضده في آنٍ واحد.

يقول الله سبحانه وتعالى: «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الذاريات: 49).

ومعنى الآية : أنَّ الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين مُتقابلين . كالذكر والأنثى ، الليل والنهار ، الحر والبرد ..إلخ .

وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات، ليجعلها جميعًا في خدمة الإنسانية فيتنافسوا فيها بما يخدم البشرية ولا يضرها.

الغريب أنَّ الجماعات المُتطرِّفة لا تؤمن بهذه السُنَّة الربّانية، وتَكفُر بالتنوّع والإختلاف والتنافس المحمود في القرآن الكريم، وتُقاتل من أجل توحيد الناس على عقيدة باطلة، ورأي لا يستند إلا على روايات وإسرائيليات مدسوسة على الإسلام.

التنوّع في القرآن الكريم

يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء، إنَّ التنوع سُنَّة الحياة التي لا تُخطِئها عين ولا ينُكِرها عقل في أيّ شيء في خلق الله.

وأضاف «زقزوق» في كتاب «هذا هو الإسلام» الصادر عن مَجمَع البحوث الإسلامية، أنَّ اختلاف وجهات النظر وتنوّع الاجتهادات ليس أمرًا سلبيًّا وإنَّما هو أمر إيجابي، من شأنه أنْ يُثري الحياة وأنْ يُضيف إليها.

إنَّ الأمر السلبي، هو التعصب للرأي والاعتقاد بأنَّ وجهة نظره وحده هى الصواب وأنَّ غيره خطأ على الإطلاق.

وأوضح «زقزوق» أنَّ المُحزِن اليوم أننا نفتقد لقِيمَة الاحترام والتسامح معًا في كثير من جوانب الحياة، فالكثيرون يستهينون بها ولا يُعيرونها أيَّ اهتمام.

وأكد أنَّه لا يجوز أنْ تضيق صدورنا بالآراء المخالفة لحديثنا في الأمور اليومية وغيرها فيما يخُص الفِكر.

وشدد على أنه لا يجوز لطَرَف أنْ يدَّعي لنفسه أنَّه وحده الذي يملك الحق المُطلَق وأنَّ غيره باطل.

مشيرًا إلى أنَّ التنوّع يدفع الناس إلى التنافس الخلَّاق، حيث يؤدي إلى تطوير المجتمعات وترقية الحياة وتفاعُل الثقافات وتبادُل الأفكار والخبرات.

ورأى أنه بذلك يُحقق الإنسان ذاته ويسهم في تعمير الكون ماديًّا ومعنويًّا تحقيقًا للمهمة التي كلَّفه الله بها عند خلقه.

يقول الله سبحانه و تعالى «وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» (هود:61)

حيث طلب الله عمارة الأرض وصُنْع الحضارة فيها.

التنوّع يعطي للحياة قِيمَة ويحفظ الناس من اليأس والإحباط

وأشار «زقزوق» إلى أنَّ الأمثلة على التنوّع كثيرة، فالبشَر شعوب متنوعة وأمم مختلفة الألوان والأعراق والعادات، ما يُشكل منظومة متكاملة في غاية الإتقان والإبداع.

قال الله سبحانه و تعالى «وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ» (النمل: 88).

وتطرَّق إلى ذِكْر القرآن الكريم للتنوّع، حيث يُعده من المعجزات الإلهية، فبه أصبح للحياة معنى وقيمة ويقتل في نفوسنا أسباب اليأس والإحباط.

وأوضح أنَّ القرآن يُشير إلى الاختلاف القائم بين الشعوب ويجعل من ذلك مُنطلقًا للتعارف والتآلف والتعاون وليس مُنطلقًا للنِزاع والشِقاق.

قال الله سبحانه و تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13)،

فهذه سُنَّة الله في خلقه ولن نجد غيرها بديلًا.

طبيعة الإنسان، كما أوضح أنَّه لا يستطيع أنْ يعيش وحده، لأنه كائن اجتماعي يحتاج إلى الآخر بقَدْر احتياج الآخر إليه، فهو ضروري وليس الجحيم كما يُصوِّر البعض.

وذكر أنَّه إذا كان الناس متساوين في الجوهر فليس هناك فَضْل لإنسان على آخر إلَّا بما يقدمه من خير للناس وللمجتمع الذي يعيش فيه.

الوعي بهذه الحقيقة من شأنه أنْ يُشيِع بين الناس روح الأخوَّة الإنسانية والاحترام المتبادل.

وأكد أنه ينبغي أنْ نحترم الآخر المُتمثِل في رأيه وفكره، ولا يعني بالضرورة القبول به لأنها مسألة أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى