علاج «الفتنة» في الخطاب الإلهي
الشائعات المغرضة تهدف إلى زعزعة المجتمعات وإشاعة الفوضى وهدم الدولة

عقب وقوع حادث قطار القاهرة أمس الأول، وما أسفر عنه من سقوط بعض الشهداء، أطلقت الجماعات الإرهابية بعض الشائعات لزعزعة الأمن والاستقرار في مصر.
وكان من بين تلك الشائعات أنه هجوم إرهابي، وأن عدد الضحايا تجاوز المئات، وأن آلاف المتظاهرين خرجوا للاحتجاج على الدولة في ميدان التحرير.
الشائعات الهدامة من أبغض الذنوب عند الله
«التنوير».. تناقش في السطور التالية حكم الشائعات كما ورد في القرآن الكريم.
الدكتور علي محمد الأزهري الأستاذ بجامعة الأزهر ، يعرف الشائعة بأنها إطلاق خبر بين مجموعة من الناس بهدف بثه وترويجه في المجتمع بقصد الخير أو الشر.
وأكد «الأزهري» أن القرآن الكريم عالج قضية الشائعات معالجة حكيمة لتفادي شرورها وعواقبها الوخيمة على المجتمع فطالب المؤمنين بالتحري من حقيقة ومصدر الشائعة حتى لا يقع في المحظورات.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»(6).
والقرآن الكريم يوجب علي المؤمن أن يتبين ويتأكد من صحة الشائعة حتى لا يندفع إلى ارتكاب جهالة أو خطيئة مثل قتل بريء أو تخريب مكان، أو قطع طريق ثم يتبين بعد ذلك أنه انساق وراء شائعة كاذبة مغرضة.
وتكشف الآية الكريمة حكم وعاقبة الشائعات المغرضة في ختام الآية حيث يقول تعالى: «… فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»
وصف الله صاحب الشائعة بالفاسق
وقد وصف الله صاحب الشائعة بالفاسق أي المارق عن دين الله سبحانه وتعالى فقال في أول الآية: «إن جاءكم فاسق».
كما وصف الله الشائعة نفسها بقول الزور حيث قال تعالي في سورة الحج: «واجتنبوا قول الزور»، وقال سبحانه وتعالى في سورة الفرقان: «والذين لا يشهدون الزور».
وقد أمر الله بوأد الفتنة والشائعة وقول الزور حتى في الجهاد وقتال الأعداء فقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (النساء 94).
والآية الكريمة تخاطب المؤمنين وتأمرهم بالتبين وهو التثبت من المعلومات إذا خرجوا مجاهدين لنصرة دين الله قبل أن يحاربوا حتى لا يصيبوا قوماً مسلمين.
وينهى الله في نفس الآية المؤمنين أن يرددوا الشائعات بدون علم أو يقين أو تثبت فيلقون الناس بالكفر دون حق: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا».
جعل الله عقوبة الجلد عقاباً وردعاً لمروجي الشائعات
ويضيف الأزهري ، أن الله جعل عقوبة مطلق الشائعات الجلد ثمانين جلدة لتحصين المجتمع من الفتنة.
يقول تعالى في سورة النور: « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًاۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)».
كما وصف الله مروجي الشائعات بالكذابين في سورة النور: « لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ» (13).
وقد حذر سبحانه وتعالى الناس كافة من تصديق الشائعات أو ترويجها وجعل لكل من يروجها إثم عظيم عند الله.
يقول جل في علاه في سورة النور: «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ»(16).