- الطمع في رحمة الله ! - 2 مارس، 2023
- قضية هجر القرآن في «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» - 24 ديسمبر، 2022
- مؤامرة تدوين السنة - 1 يوليو، 2019
في التاريخ العربي حدث صراع بين قبيلتي عبس وذوبيان ومن وقف معهما، واستمر القتال 40 أربعين عامًا.
وسبب هذا الصراع كما سُجَّل في التاريخ: هو خلاف على حصانين هما داعس والغبراء.
وقامت قبيلة ذوبيان بتجهيز جيش جرّار، للإغارة على قبيلة عَبْس، ولما علمت عَبْس جهزت جيشًا للرد على هذه الحملة العسكرية.
وكان قائد الحرب في عَبْس هو الأمير كُلَيب [تصغير كلب]، وكان له أخ ذو بأسٍ شديد تتحدث بفروسيته الرُكبان اسمه الزير سالم، إلا أنه لم يشارك في الحرب في البداية، لأنه لم يكن مقتنعًا بقيام حرب بدون سبب مهم، وبدون تفاهم، وبدون محادثات، كان من الممكن أن تدفع فيها عّبْسٌ تعويضًا عن هذين الحصانين ولو بعشْر أمثالهما.
ولكن الأمير كُليب لم يلتفت إلى أفكار أخيه الزير سالم [هذه عادة عربية] ودقّت طُبول الحرب، وبعد عشْر سنوات من صَولات وجولات وقتْل عدد كبير من القبيلتين.
تم قُتِل كُليب بيد أحد فرسان ذوبيان، وعند هذه النقطة تعقدت الأمور، وتدَّخل بعض وجَهاء الجزيرة العربية، لإنهاء الصراع.
وأخذوا ابن أمير ذوبيان الذي قتل كُليب وذهبوا به إلى عبْس، وكتّفوه ووضعوا السيف على عُنقه وطلبوا من ابن كُليب الجرو هجرس، أن يقتله مكان أبيه كُليب.
فقام بين الجموع الحاشِدة، ورفع السيف، وهوى به على عُنق ابن أمير ذوبيان فقطَعه، ثم قال للجموع الحاشدة، هذا العُنق لا يساوي رِباط نعل كُليب، [شسع نعل كُليب] ثم طلب من ذوبيان الاستعداد لحرب طويلة يتم فيها فَنَاء القبيلتين، وتواعدوا على القتال.
وبدأت عجلة القتال تدور، وعاد وجهَاء الجزيرة يتوسطون، فإذا ذهبوا إلى الجرو هجرس قال لهم: لا أقبل أي شيء في قتل فارس العرب كُليب.
وإذا ذهبوا إلى أمير ذوبيان يقول لهم: لا يمكن عمل هُدنة أو تصالُح مع رجل قتل ابني في رباط نعل كُليب [إنَّ قتْل الرجال بالشسع غالي].
الزير سالم ينضم إلى حرب داعس والغبراء
وتدور الحرب وبعد عشر سنوات أخرى، قامت ذوبيان بقتْل الجرو هجرس، ولم يعُد أحد من الرجال في أسرة كُليب، وما تبقى هما بنتان: اليمامة والحمامة.
وكان عمهما الزير سالم يحبهما جدًا، فذهبتا إليه وطلبتا منه النزول للقتال للأخْذ بثأر كُليب، والجرو هجرس.
ونزل الزير سالم، ودارت عجلة الحرب، وكانت بعض القبائل تسانده حتى لا تنتهى الحرب، وبعضها يساند الطرف الآخر لنفس السبب.
وبعد عشرين عامًا أخرى استطاع الزير سالم القضاء على فرسان قبيلة ذوبيان، ومَنْ شاركهم في الحرب، وتم سبي النساء وأَسْر الولدان، وقتْل الشيوخ، إلا أنه طلب من فرسانه عدم قتْل المرضى.
وعمَّ السلام في الجزيرة العربية بعد حرب 40 أربعين سنة بسبب داعس والغبراء.
وسُمّيت هذه الحرب في التاريخ العربي بحرب داعس والغبراء.
وعندما كبر الزير سالم أعلن للناس أن ابنة أخيه اليمامة ستصبح زعيمة لقبيلة عبس، وترك القصر لها ولأختها.
وطلب تجهيز ثلاثة جِمال له ولاثنين من عبيده، وحمل معه ما يكفيه من المال وطلب أن يطوف في الأرض حتى تأتيه منيَّته، وسار مع العبدين.
وبعد ثلاثة أشهر قرر العبدان قتْل الزير سالم والتخلُّص منه دون أن يعلم [الغدر عادة عربية، موجودة حتى الآن].
وسمع الزير سالم ما اتفق عليه الاثنان، فقال لهما في الصباح سمعت ما عقدتما العزم عليه، ولا مانع عندي، ولا اعتراض عليه، ولكن أرجوكما بعد أن تواروني الثرى، أن تعودا إلى قصر اليمامة والحمامة ، وتصيحان بهما، وتقولان: [يا أيها البنتان إن أباكما ما].
فعادا وفعلا ما طُلِب منهما، وعندما سمعت الحمامة ما قالا لم تفهم شيئًا، ودخلت إلى القصر وأخبرت أختها بعودة العبدين وقولهما.
ففهمت اليمامة رسالة عمها، وخرجت من شُرفة القصر، وأمرت الحرّاس أن يحاصرا العبدين بدون أن يشعرا
ثم جاءت إليهما وقالت لهما: أعيدا عليَّ ما قلتماه منذ قليل.
فقال العبدان: [يا أيها البنتان إن أباكما (ما)]
قالت تكمل البيت: [مات وما قتله إلا الذي خبرَّنا].
وأمرت بقتْل العبدين، وأخْذ ما معهما من مال، وأُسدِل الستار على أغبى حرب في التاريخ الإنساني.
المصدر:
مقال «خلفيات العقل العربي – انتكاسة الفكر» المنشور بالموقع الرسمي للدكتور محمد أبو زيد الفقي