رؤى

«الرضاع».. والطريق إلى الضياع

أزمة دينية وأخلاقية نعيشها بسبب حديث «مشكوك في صحته» يتداوله الجهلاء

ذات مساء دُعيت لحضور صلح عرفي بين رجل وزوجته، وقد وصلا إلى الطلاق، ومن ثم كان ذلك سبب حضوري، وهو [الرأي الديني] وكان معي أربعة غيري، نشكل نحن الخمسة لجنة الحكم بين المتخاصمين، وبدأت اللجنة عملها على الفور بعد صلاة العشاء، وسألنا الزوج الأستاذ نبيل، لماذا تطلق زوجتك؟ قال لقد تزوجتها منذ عام، وكنت أعرف أن لها ابن خالة كانت تحبه ويحبها، ولكنهما لم يستطيعا الزواج بسبب الرضاع، لأن أمها كانت ترضعه وهو صغير دون العامين، أثناء مرض أختها، وبعد زواجي منها، فوجئت بكثرة تردد ابن خالتها علينا، وكان يُقبلها عند الدخول والخروج بالإضافة إلى جلوسهما متجاورين في كل مكان يجلسان فيه، فشعرت بالغيرة في بداية الأمر، وطلبت منها عدم تقبيله، وأن تكتفي بمصافحته بالطريقة العادية، فقالت لي إنه أخي من الرضاع، ومن الممكن أن ينام بجواري في سريري لأننا أخوة، ولو كان يجوز له أن يتزوجني لتزوجني لولا أني محرمة عليه، فلا تخاف من شيء.

وسألنا الزوجة [نجلاء] عما قاله زوجها، فأقرت بما حدث، ووجهت السؤال لي وقالت: يا مولانا إنه مثل أخي، ولو كان غريبًا لتزوجته.

قلت لها: يا ابنتي الرضاع يحرم الزواج، ولكنه لا يبيح لك أى شيء مع ابن خالتك، حتى المصافحة، وإن كانت عند بعض الفقهاء جائزة فإنِّي أحرمها عليكما لأنه كانت بينكما عاطفة سابقة قبل معرفة أمر الرضاع، فأي مصافحة ستحمل معها شعورًا خاليًا من البراءة، فقالت نجلاء: إنني سمعت شيخًا في التلفزيون يقول لمقدمة البرنامج، حين سألته عن الخلوة بين موظفة وزميلها في العمل.

قال لها: تعطيه صدرها يرضع منه، وبعد ذلك يحل لهما الاختلاط، فقالت مقدمة البرنامج: فإذا لم تكن تحمل لبنا في ثدييها وكانت فتاة لم تتزوج بعد؟

فقال لها: يمص ثديها، لأن عند الإمام أبي حنيفة أن الرضاع يُحرم الزواج ولو بمصة من الثدي، قلت: يا ابنتي هذا رجل جهول واستند على باطل، وسأحكي لك القصة كاملة وانظري بعد ذلك ماذا ستفعلين.

هذا الرجل يستند على حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمونه حديث سالم، وخلاصته أن امرأة طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها في دخول خادمها عليها وهي بلباس البيت، وكان هذا الخادم قد تربى عندها منذ طفولته، حتى أصبح ابن الثامنة عشرة، شابا يافعا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم – حسب الرواية المكذوبة: أرضعيه – لك يدخل عليك، فنادت الشاب فوقع على صدرها، فأرضعته، وبدأ يدخل عليها.

كان العلماء يشكون في هذا الحديث، إلى أن قام رئيس قسم الحديث في إحدى كليات أصول الدين بتصحيح هذا الحديث، وهو رضاع الكبير، وقام القسم بعمل حفلة على نفقة رئيس القسم للزهو بهذا الانتصار، وقام أحد أعضاء القسم بالظهور في التليفزيون والدعوة إلى تعميم رضاع الكبير في المصانع والشركات، حتى لا تكون هناك خلوة، وبعد هذا الكلام القبيح هاج المفكرون والعلماء، ورفضوا هذا الكلام رفضًا باتًّا، وقام الأزهر بتحويل هذا الرجل إلى مجلس تأديب، وتم فصله من جامعة الأزهر لسوء أدبه وافترائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بقي جمع من المغفلين يدافعون عن هذا الحديث، فمنهم من يقول إن الصحابية رضعت في كوب وسقته لسالم، والحديث المكذوب يقول لها أرضعيه ولم يقل اسقيه، وبعضهم يقول: هذه كانت خصوصيته لرسول الله والجهلاء لا يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم [لا يأمر بالفحشاء] أبدًا مهما كانت الظروف.

 

1 2الصفحة التالية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى