
تحت عنوان «فخ الصراع الديني»، كتب طارق الحريري، مقاله المنشور في جريدة «المصري اليوم»، تناول فيه تديين القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية وطنية إلى صراع ديني.
استهل الكاتب مقاله باستنكار أن الغرب الذي سعى حثيثًا لتصويب دور الدين في العلاقات الدولية ارتكب جريمة استخدام الدين لاستثمار وجوده الاستعماري في الشرق الأوسط، من خلال إنشاء كيان استيطاني في المنطقة العربية بإقامة دولة لليهود، اليهود الذين كانوا يعيشون في البلدان العربية طوال التاريخ كمواطنين متساوين لا يلقون أي تمييز أو عنصرية، مثل تلك التي عانوا منها في الغرب.
تجذير الصراع الديني
وأشار إلى أنه من اللافت بعد قيام دولة إسرائيل أن الحكومات المتعاقبة فيها عملت على تجذير البعد الديني لرأب تناقضات المكون السكانى للدولة، وتفاقم الخطاب العنصري الديني في إسرائيل عندما وافق الكنيست على مشروع حكومة نتنياهو عام 2018 وأقر قانون يهودية الدولة، وأخيرًا جاءت الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ دولة إسرائيل التي تبنت رفض حل الدولتين، وبلغ التصعيد حد جعل وزير متطرف في حكومة تل أبيب يعلن لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيين.
وأضاف: الشاهد أن نشأة الدولة اليهودية وإمعانها في التطرف الديني أدى في المقابل إلى رد فعل أسفر عن نشوء حركات وتنظيمات سياسية ومسلحة ذات توجه ديني متطرف في بلدان المنطقة، ساهمت بعض حكومات الغرب بمنحها حاضنة لاستخدام هذه الحركات كي تمارس من خلالها ضغوطًا على الحكومات التي لا تتفق مع سياساتها، أو من زاوية أخرى توظيفها في صراعات دولية مثلما كان تنظيم القاعدة الذي انقلب سحره على الساحر.
حماس كنز لإسرائيل!
وأوضح أنه في تماثل لنفس المنهج وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني صرح نتنياهو قبل فترة وجيزة من يوم السابع من أكتوبر أن حماس كنز لإسرائيل، قال هذا نظرًا لما تلعبه حماس من دور في شق الصف الفلسطيني، وتعميق الانقسام، ومن ثم إعاقة القوى الوطنية الفلسطينية في إقامة دولتها.
وأشار الكاتب إلى هذا المناخ المضطرب دينيًا وأن الأمر هنا غير مقتصر على الدين فقط، شهد الخطاب الفلسطيني في جانب منه تحولًا سلبيًا نتيجة عنف وتطرف اليمين الديني الإسرائيلي الذي تسبب في المقابل انحرافًا في التوجه لدى بعض الفصائل نحو تديين القضية، وبدلًا من مناداة الفلسطينيين بدولة علمانية ديمقراطية تشملهم والإسرائيليين الذين احتلوا كامل الأرض بعد حرب الخامس من يونيو، ثم حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967 الذي قبلت به السلطة الفلسطينية، بعد قرارات من الشرعية الدولية وتوافقات ما بعد أوسلو ومدريد.
صخب المقاومة الإسلامية وفخ الصراع الديني
ولفت إلى أن بدلًا من هذا الصوت الوطني تسلل إلى الخطاب الفلسطيني صخب المقاومة الإسلامية نتيجة التسويف والإذلال الإسرائيلي الذي تحول تدريجيًا إلى سياسة الآبارتايد العنصرية، من حصار كامل لغزة وانتزاع لأراض في الضفة الغربية لإقامة مستوطنات غير شرعية، سعيًا للتغيير الجغرافي والديموجرافي، في إطار النبذ الأخرق للسلطة الوطنية الفلسطينية وإفشال حل الدولتين.
وأوضح الكاتب أن حركة حماس انطلقت من واقع الممارسات الإسرائيلية الإقصائية للوجود الفلسطيني كي تنفرد بالعمل العسكري في مواجهة إسرائيل، ولم تكن عملية طوفان الأقصى سوى حلقة من مسلسل الاشتباك المسلح مع تل أبيب، تحت مسمى المقاومة الإسلامية، غير مبالية أو واعية بأن تديين القضية خطأ جسيم، لأنها في الأساس قضية تحرر وطني، وهي بذلك توقع القضية في فخ الصراع الديني الذي أججه اليمين الديني المتطرف في إسرائيل.
قلق القوى العظمى الغربية
وأضاف: مع تراكم خبرات الاشتباك مثلت عملية طوفان الأقصى بكل المقاييس نقلة استراتيجية هائلة في مسار تكتيكات الحرب اللا متماثلة، وهذا أحد أسباب استنفار القوى العظمى في الغرب، التي استشعرت أن هذا التطور الميداني الذي داهم الجميع أصبح نموذجه يشكل خطرًا بنيويًا على الجيوش النظامية مهما بلغت قوتها. من جانب آخر الغرب يقلقه تعرض الدولة العبرية للخطر، لأن هذا يعرض استثماره للتهديد عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.
وذكر الكاتب أنه من الناحية العسكرية البحتة، طوفان الأقصى عملية فائقة القدرات مكتملة الأركان تخطيطًا وتنفيذًا، شابها خلل أنها لم تتم للأسف في ظل قيادة فلسطينية موحدة، باعتبارها (أي حماس) فصيل في حركة تحرر وطني لا يجب أن ينفرد أو يسعى للسطو على القرار الوطني.
ادعاءات إسرائيلية
وأشار إلى خطأ حالات فردية من بعض عناصرها في التعامل غير المبرر مع المدنيين في دولة الاحتلال نتيجة، عدم وضوح قواعد الاشتباك لدى المهاجمين الذين تسكنهم مرارة حصار طويل وقمع واحتقار، وغضب دفين تسبب فيه القصف العشوائي الذي خلف في مرات سابقة ضحايا بأعداد ضخمة من ذويهم.
واستنكر الكاتب أن التجاوزات الفردية المرفوضة في حق بعض المدنيين الإسرائيليين وأخذ رهائن منهم إلى انفجار الميديا التي يسيطر عليها الغرب، ليس ضد حماس فقط ولكن- وهذا هو الأخطر- حق الشعب الفلسطيني تسببت في اللجوء إلى الكفاح المسلح ضد سلطة الاحتلال، بادعاء حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأنها هي الخاضعة للاحتلال وليس الشعب الفلسطيني، مع الأخذ في الاعتبار أن الغرب تناسى وتجاهل أن إسرائيل كثيرًا ما مارست مرارًا وتكرارًا عبر تاريخها الاعتداء على مدنيين في دول وجماعات في المنطقة وليس الفلسطينيين فقط.
استخدام الدين كأيديولوجية تحرر وطني
وفي ختام مقاله يقول الكاتب: على ميليشيا حماس التي لن تفلح حكومة الاحتلال في اجتثاثها، وإلا تقع في مصيدة اليمين الديني اليهودي المتطرف في إسرائيل، برفع راية الإسلام في كفاحها، وشتان بين حرية الاعتقاد واستخدام الدين كأيديولوجية تحرر وطني.
وأشار إلى أنه على سبيل المثال لا الحصر فالصينيون في كفاحهم المسلح ضد المحتل الياباني في القرن الفائت لم يرفعوا راية البوذية في مواجهة الشنتو، والأيرلنديون لم يرفعوا مذهبيًا راية الكاثوليكية في حرب الاستقلال عن بريطانيا البروتستانتية، والمهاتما غاندى في حركة العصيان المدني- التي لا تصلح بالطبع في واقع الكفاح الفلسطيني- لم يرفع راية الهندوسية في مواجهة المستعمر البريطاني المسيحي، وتستطيع حماس تفويت عملية تدمير القطاع الممنهجة، بإعلانها أنها دون التخلى عن خيار المقاومة تتخلى عن حكم القطاع، وأنها تخضع لإمرة الشعب الفلسطينيي، في إطار موحد للسلطة الوطنية الفلسطينية، ما يسقط عن أسرائيل ذرائعها ومراوغاتها على الأقل في اليوم التالي لتوقف القتال، لأن تل أبيب مسكونة بروح الانتقام وتدمير القطاع لشعب لن يفنى ولن يرحل عن أرضه.