رؤى

فقه الخداع!

الإخوان يوهِمون أتباعهم بأنهم يُضاهون سِمات ومقاصِد الصحابة

د. عمار علي حسن

«الحرب خُدعة».. هكذا يمد الإخوان ذراع التحايُل على اتساعه، بِلا وَرع ولا رويّة، ويُلحقون هذا بالمُراوغة والمُهادنة والجدل العقيم، متصورين أنهم في حرب ضد كل من يختلف معهم، حتى لو كان ممن يشهد له الناس بالحرص على الصلاة في المسجد.

ينظر الإخوان إلى منافسيهم في الساحة السياسية فيرون المجتمع العام، الذي هو في نظر المجموعة القطبية المتحكمة في رقبة الجماعة، لا يختلف عما كان عليه مُشركو مكة وقت نزول الوحي وانطلاق رسالة الإسلام.

وتُعظِّم بعض كتابات البنا وإشاراته، وكذلك ما ورد فيما تركه بعض قادة الإخوان في مختلف أنحاء الدول، موقع الخداع من الأساليب التي تتبعها الجماعة في تمددها الاجتماعى، والأهم في اختراقها مؤسسات الدول، حتى إنها لا تُلزِم المنتمين إليها ممن يتولون مواقع متقدمة في الجهاز الإدارى والقضائي والشُرَطي، وكذلك الجيوش بإظهار أي صلة بتنظيم الإخوان، انتظارًا للحظة المناسبة التي يراها مرشد الجماعة مناسبة لما يسمى «التمكين».

الإخوان اعتادوا التحايل على الناس

لقد اعتاد الإخوان طِيلة تاريخهم التحايل على الناس والالتفاف على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات، ولا سيما في المجال السياسي.

فعلى سبيل المثال، هناك كثير من الممارسات السياسية للإخوان تدل على أنهم أخذوا بالديمقراطية مُجبرَين، وحاولوا تكييفها مع تصورهم الذي يُجافي جوهرها، في خطوة تكتيكية تنطوي على خداع، نبعت من إدراكهم أن الديمقراطية بإجراءاتها كانت هي طريقهم الوحيد للوصول إلى السُّلطة.

وهو أمر ينطبق أيضًا على قضية الحِسبة، إذ يدور حولها فكر الإخوان، دون أن يسمي الأمور بمسمياتها كما تفعل الجماعات والتنظيمات الأخرى، التي تُجاهر بأنها تريد تطبيق الحِسبة، ولا تنتظر أن تكون في السُّلطة حتى تقوم بهذا.

بينما لم ينطق الإخوان شيئًا من هذا القبيل، وظلّوا يتحيّنون فرصة الحُكم كي يقولوا للناس جِهارًا نهارًا: نحن سنأمركم بالمعروف وننهاكم عن المنكر، رغم أن المعروف والمنكر لديهم لا علاقة لهما في كثير من الأحوال بما أراده الله في قرآنه الكريم.

فقه الخداع عند الجماعة المحظورة

وفى كثير من كتاباتهم وتصرفاتهم، وما باح به الخارجون على الجماعة، يتبين أن الإخوان لا يجدون أي حرج أو غضاضة أو حُرمة في خداعهم للآخرين.

إذ يعتبرون أنفسهم في حالة حرب مفتوحة ضد الكل، وإن اختلفت درجة خصومتهم أو عداوتهم لهم، وبذا فإن الكذب عليهم مُباح، والمُداراة عنهم واجبة، والمُراوغة منهم ضرورة، والتحايُل عليهم أساس.

ويقدم الإخوان في موقفهم هذا تبريرات مُستمَدة من مواقف ومرويات قديمة، يتم تأويلها لخدمة مسلكهم الحالى، وهى تقوم على افتراض خاطئ بالأساس.

إذ أن هذه الأسانيد تخُص سياقًا مختلفًا، وتنصرف في مبناها ومعناها إلى الظروف التي يكون فيها المسلمون في حالة حرب ضد أعدائهم، وبعضها معروف، حتى لدي قادة عسكريين في مختلف الثقافات والأزمنة.

وليس في الحالات التي مرت بها الجماعة والتي لا يمكن أن يتجاوز وصفها حتى في أيام ذروتها سوى أنها منافسة أو صراع على السُّلطة السياسية، وليست حربًا بأي حال من الأحوال.

كما أن حديث الإخوان عن أنهم في حرب دائمة لتبرير الخداع، يتطلب من مُنظّري الجماعة وقادة الرأي فيها بناء حُجّة أو ذريعة تنطلي على أتباعهم.

ولا يمكن أن يتم هذا البناء إلا بخلع أوصاف الأعداء الألدّاء على المنافسين السياسيين للإخوان في الساحة الاجتماعية.

وأحيانا ينسحب هذا على المجتمع بأسره الذي يتهمه الإخوان- ولاسيما في أوقات صدامهم مع السُّلطة السياسية- بأنه مجتمع متواطئ، ما يعنى أن يدخل في دائرة من يجب خداعهم.

خدعة الحرب المُبرّرة!

وحتى تكون «خدعة الحرب مُبرّرة» كان لا بد للإخوان أن يُشعروا أتباعهم بأنهم يضاهون في السّمات والقسمات والخِصال والمقاصِد الصحابة الذين التفّوا حول الرسول( صلى الله عليه وسلم )، وناصبَهم مُشركو مكة العداء.

فها هو مؤسس الجماعة يقول للأتباع: «كلما وُجدّتُ مع الإخوان في حفل شعرتُ بخاطر. هذا الخاطر هو المقارنة بين عهدين لدعوتنا: عهدها الأول حين قام الرسول( صلى الله عليه وسلم )، وحده يُجاهد منفردًا، وعهدها الثانى عهد انبعاثها على أيديكم، أنتم أيها الإخوان، فقمتم تجددون العهد، وتحشدون القوى، وتبذلون الجهود حتى يرجع للدعوة شبابها، وتكتمل قوتها»..

لذا لم يكن من المُستغرب أن يأتي سيد قطب، من بعد ليَصِف كل من ليسوا من أتباع البنا بأنهم جاهليون.

وإمعانًا في الخداع، يقول فتحي يكن، أحد قادة الإخوان في لبنان: «لا يمكن أن تكشف الحركة عن مخططاتها، لأن ذلك جهل بالإسلام، وتعريض الحركة لمكر الأعداء، والقاعدة التي تُبنَى عليها علانية العمل وسريّة التنظيم.. النبى قال: الحرب خُدعة، ولا بد أن يتصرف أعضاء الإخوان طبقًا لهذه المقولة»، وفى هذا كذب صريح على الرسول،(صلى الله عليه وسلم ).

وقد استعمل الإخوان طيلة الوقت مبدأ «علانية العمل وسرية التنظيم»، فكانوا مثلا يقولون على الملأ إنهم موجودون في مختلف الأوساط، لكن لا يكشفون عن المنتمين لهم، ولا عن الاجتماعات التي يعقدونها في الخفاء.

وكانوا يطلقون فِرق الكشافة للتدرّب على السلاح في الصحراء، بل كانت الجماعة تطلب من أعضائها الشباب الالتحاق بصفوف القوات المسلحة في أي بلد عربى ومسلم لمثل هذا التدريب، دون أن يصرحوا بانتمائهم للإخوان.

ولاكتمال الخديعة، كانت الجماعة تُعلن دومًا أن أبناءها محرومون من أداء الخدمة العسكرية كنوع من التمييز السلبي ضدها.

المصدر:

مقال «تبرير الخداع لدى الجماعات الدينية المتطرفة»، المنشور بموقع المصري اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى