
تعدَّدت آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن فَناء الأمم بسبب ظلمهم وعنادهم ومكابرتهم على اتّباع الحق وتمسكهم بالباطل.
دعاة الخطاب الديني المتطرِّف الذي يطل برأسه على العالم الآن، لم يكن بعيدًا عن منهج هؤلاء القوم، فلهم الصفات ذاتها.
هؤلاء المُغالين والمتشددين رغم جهلهم وابتعادهم عن الإسلام، يرمون المخالفين لهم بالباطل والاتهامات التي لا علاقة لها بالحق ولا بالدين.
فناء الأمم في القرآن الكريم
يقول الدكتور محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمَجمَع البحوث الإسلامية، أنَّ نوح (عليه السلام) كان أحد الأنبياء الذين دعوا أقوامهم إلى عبادة الله عزّ وجلّ.
قال الله سبحانه وتعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (الأعراف: 59).
وأوضح في كتاب «الأمم بين أسباب الفناء وعوامل البقاء في ضوء القرآن الكريم» الصادر عن المَجمَع أنَّ نوح دعا قومه إلى عبادة الله وحده.
وأكد أنَّ أول شيء بدأ به نوح هي الدعوة إلى التوحيد، لأنها هي أساس كل رسالة يُرسَل بها الأنبياء إلى أقوامهم.
ونقل نوح إليهم تخوّفه من عذاب الله يوم القيامة أو اليوم الذي ينزل عليهم فيه عذاب العصيان والمُخالفة في الدنيا وهو الطوفان، كما ذكر الكتاب.
حينما دعا نوح قومه إلى عبادة الله كما أكد، إنبرت طائفة من قومه تستنكر هذه الدعوة وتقف في طريقها بالتكذيب تارة والصّد والإيذاء تارةً أخرى.
تذرعت بالمزاعم الباطلة التي تنُم عن جهالة كبيرة حيث رموه بالضلال، وأنَّه يريد أنْ يتفضل عليهم لأنه بشر مثلهم وجهلوا حقيقة الاصطفاء والاجتباء من الله.
في ذلك قال الله سبحانه وتعالى «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (الحج: 75).
وبرَّر ذلك بأنَّ هؤلاء جهلوا مِعيار القِيَم لدى الخالق الذي على أساسه يتم تقويم الخَلْق، وزعموا أنَّ الجاه والوجاهة والمادة هي المؤهّلة لنَيل هذه المكانة.
الباطل يؤدي إلى فناء الأمم
وأوضح «عفيفي» أنَّ السادة هُم الذين اتهموه لأنهم يخافون على وجاهتهم وسلطتهم في المجتمع وأسرفوا في الطعن عليه ورموه بالضلال، ما أدى إلى فنائهم.
غيرهم من العامة والفقراء الذين ليس لديهم موانع في الاستجابة، فقد آمنوا بالله واتبعوا الطريق المستقيم وسَلِمت قلوبهم من الضّغن.
وقال إن نوح خاطب قومه بلُطف وأدب ودعاهم بأسلوب ينطوي على الشفقة والعطف، لكن لم ينفع معهم لعنادهم واستكبارهم واستنكافهم أنْ يقبلوا الهداية.
وبذلك سلكوا مسلك من يعجز عن مقاومة الحق، فيلجأ إلى العنف والباطل فوصموه بالجنون والضلال، وذلك أساس فناء الأمم.
وأكد أنَّ هذه طريقة من هُم على الباطل يهرِفون بما لا يعرِفون ويُحاولون عبثًا النَّيل من أتباع الحق ودُعاته.
تطرَّق الكتاب إلى كثير من الأدلة التي تُثبت ضلال القوم، حيث دار حوار بين نوح وقومه طال أمدُه لإصرارهم على موقفهم.
ذلك الموقف يُقدِّم درسًا، أنَّ من الخطأ محاولة إكراه الناس على اعتناق مبدأ أو مذهب أو فكرة مُعيّنة.
قال الله سبحانه وتعالى : «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ» (هود: 28).
وهذا يعبر عنه القرآن صراحةً في قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة: 256).
رغم عنادهم وسخريتهم منه لم يقابلهم نوح بالمِثْل، بل كان يترَفّق بهم ويتحدث بأسلوب يخلو من عنف التعبير وبروح بعيدة عن التحدي المبني على المُكابرة.