
تضمَّن القرآن الكريم العديد من القصص التي تُحذّرنا من الوقوع في الأخطاء التي ارتكبتها الأمم السابقة في حق دينهم وأنبيائهم.
والحكمة من ذكر هذه القصص هو تذكير أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بأسباب فناء الأمم السابقة وتحذيرنا من ارتكاب نفس الخطايا.
وقد تحدثنا في ثلاث حلقات سابقة عن أسباب فناء الأمم السابقة كما جاءت في القرآن الكريم، واليوم نستكمل الحلقة الرابعة من نفس السلسة مع قوم هود (عليه السلام).
القرآن يذكر فناء الأمم السابقة لتحذير الشعوب من بعدهم
يقول الدكتور محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، إنَّ القرآن يكثر من التحذير من الأسباب التي تُفني الشعوب ويوجه الأنظار إلى مصائر السابقين.
فيقول الله تعالى: «وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا» (الكهف: 59).
وأوضح أنَّ سيدنا هود عليه السلام أحد الرسل الذين دعوا قومهم لعبادة الله فقال تعالى «وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ» (الأعراف: 65).
ذلك سبيلٌ لاتقاء العذاب يوم القيامة، حيث ذكر قول الله تعالى «وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (الأحقاف: 21).
وتضمن كتابه «الأمم بين أسباب الفناء وعوامل البقاء في ضوء القرآن الكريم»، الصادر عن المَجَمع، أنَّ عاد كانت تعتقد بوجود الله إلَّا أنها جعلت الأصنام شركاء له.
هؤلاء ظنوا أنَّ الأصنام تشفع لهم عند الله وبذلك كانوا كاذبين لأنه لا يستحق العبادة إلا الله الرحمن الرحيم وحده.
سلك هود مع قومه مسلكًا واضحًا حيث دعاهم لله وحده، لأنَّه أنعم عليهم بنِعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، أبرزها استخلافهم في الأرض بعد قوم نوح.
هود ذكر لعاد ما ذكره نوح لقومه وأدار معهم الحوار ذاته، لأنَّهم ساروا في الطريق نفسه وحادوا عن الصراط المستقيم وتطاولوا عليه واتهموه بالسفه.
وأشار إلى أنهم اتهموه بالخروج عن جادة الصواب لأنهم يرون الحق ما هم عليه من وثنية وشرك وما كان عليه الآباء واتهموه بالكذب.
رأى أنَّ الغرور والطغيان والصَلَف والكِبْر هو الذي دفعهم إلى الاستعلاء والاستكبار والتكذيب، فكفروا بالله ونعمه وتمادوا في طغيانهم وظلمهم لأنفسهم وغيرهم.
فناء الأمم بسبب التمسك بالتقليد وإلغاء التفكير
يوضح «عفيفي» أنَّهم رفضوا الدعوة متذرعين في ذلك بالتقليد وعدم الخروج عن معتقدات الآباء رغم ما استخدمه معهم هود من أساليب الحوار وتذكيرهم بنعم الله.
تطرَّق إلى طريقتهم في الرد عليهم، حيث وضعوا الموانع والعقبات في طريق الدعوة وألغوا التفكير.
قال تعالى «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» (الأحقاف: 26).
وذلك لم يكن بعيدًا عن أنهم لم ينتفعوا بنعم الله في السمع والبصر والفؤاد وعطلوها عن الاستفادة بهم.
قال الله «وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ» (الزخرف: 23).
هؤلاء جمدوا على الباطل ولم يكونوا ليتركوه لمجرد دعوة هود التي تُعَد في زعمهم مجردة وليس معها ما يؤيدها، كما ذكر.
قال تعالى «قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ» (هود: 53).
هدَّدوا هود ولجأوا إلى أسلوب التخويف والتهديد بقوى باطلة وليس لها من الأمر شيء إلَّا ما استقر في خيالهم ووهمهم.
قال الله تعالى في ذلك «إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ» (هود: 54).
وأوضح أنه من سُنن الله أنه لن ينهار مجتمع أو تُباد أمَّة إلَّا بأسباب أهمها الشرك بالله وتكذيب الرسل والإعراض عنهم واتهامهم بالباطل والظلم والاستكبار في الأرض.