رؤى

في انتظار «نمل سليمان»!

الشكلية صارت مفتاح الشخصية المصرية الجديدة

خالد منتصر
Latest posts by خالد منتصر (see all)

أصبحت صفحة الحوادث في الجرائد المصرية هي المؤرخ غير الشرعي لمصر المحروسة.

وصارت الجرائم هي المرصد الأخلاقي غير المرئي للتغيرات التي طرأت على شخصية سكانها ومواطنيها.

وبعيدًا عن جرائم القتل أو السطو أو ما نطلق عليه الجرائم الكبرى، تظل الجرائم الصغرى أو ما نطلق عليه نحن الجرائم الهامشية أو «الجنح» بلغة القانون، أكثر تعبيرًا ودلالة على تلك التغيرات والتشوهات التي استقرت في نسيج الشخصية المصرية.

استرعى انتباهي خبر صغير في مبناه، خطير في معناه، مر الخبر مرور الكرام وتم نشره بدون أسماء نظرًا لحساسية وضع وحيثية أبطال القصة.

عنوان الخبر «صيدلانية تساعد زوجها وكيل النيابة بالمحمول».

أما عن شكل المساعدة التي مثلت جريمة فهي تلقينه أو تغشيشه إجابات امتحان الدبلوم بالمحمول!.

ولو تعرفنا أكثر على تفاصيل التفاصيل فسنجد أن المادة التي يغش فيها الممتحن هي مادة الشريعة الإسلامية!!

حكاية عجيبة وغريبة ومدهشة ولها دلالات تتجاوز مساحة هذا المقال المتواضع.

مجتمع يشبه عصا سليمان !

فالبطل يعمل في ساحة العدالة العمياء التي لا تنظر لمنصب أو جاه وتتعامل مع الضمير والحق والواجب والقانون.

الحافز الأخلاقي والوازع الديني عند من يعمل في ساحة العدالة هو الجوهر والأساس.

البطلة أيضًا تعمل في مجال يحتاج إلى الضمير ويستلزم الدقة والانضباط والمعايرة.

ولو تركنا كل هذا وقلنا أن كل مجال وكل مهنة بها استثناءات فماذا عن المادة التي يمتحن فيها بطل القصة؟

إنها مادة الشريعة الإسلامية!!

منهجها الذي يدرسه وموادها التي يحفظها وأسئلتها التي يمتحن فيها، كل هذا مناخ يحرضه على الصدق والعدل وتأنيب الضمير بالنفس اللوامة، ويذكره كل لحظة أن هناك قوة عليا تراقبه وتحسب عليه خطواته.

وبرغم هذا المناخ فإنه قبل الغش عن طريق المحمول، ورضي أن يكون وسيط الغش زوجته!.

الشكلية صارت هي مفتاح الشخصية المصرية الجديدة!!.

الفاترينة هي شعار المصري في هذا الزمان!!

ما دمت محافظًا على الشكل الخارجي فأنت في أتم عافية نفسية وسلوكية، حتى ولو كنت من الداخل مختزنًا لسيئات وموبقات الكون كله!

ما دامت فاترينة عرض البضاعة عندك مزينة ومضاءة وملونة فأنت في أمان من عيون وألسنة الناس وانتقاداتهم، حتى ولو كانت البضاعة متعفنة ومنتهية الصلاحية!

أنت تصدر للناس شكلك الخارجى وهذا هو المهم في مصر، أما موضوعك الداخلي وجوهرك وقناعاتك وسلوكياتك فهذه أشياء هامشية.

القصة في صفحة الحوادث ظاهرها واقعة غش لكن باطنها واقعة نفاق، عنوانها زوج يغش وزوجة تغشش، لكن تفاصيلها أمة تكذب ووطن ينخر عظامه السوس، مجتمع يقف مثل النبي سليمان متكئًا على عصاه، يحسبه الأتباع حيًا وهو في حقيقة الأمر مجرد جثة، فهل سيأتي النمل ليأكل العصا ويظهر الحقيقة؟!!.

 

 

المصدر:

مقال «النمل وعصا سليمان»، المنشور بالموقع الرسمي للدكتور خالد منتصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى