رؤى

في موضوع القدر و«المسؤولية»

إدراك الأسباب فيعني ببساطة التعامل معها وحل المشكلات والانتقال إلى مربع النجاح

المتأمل في القرآن الكريم يجد أن الخالق العظيم وضع لنا مجموعة من المفاهيم الشارحة لعدد من المسائل التي يواجهها الإنسان خلال رحلته في الحياة.

تعال نتأمل مثلاً قضية القدر والمسؤولية. قدر الله يعني ببساطة سابق علمه -سبحانه وتعالى- بما سيفعله الإنسان في رحلته في الحياة «من المهد إلى اللحد»، وعلم الله تعالى بما سيفعله الإنسان وكونه سبحانه مُجري الأفعال، فإن ذلك لا ينفي مسؤولية الإنسان عن أفعاله، وإلا لماذا يكون الحساب؟

القدر الحتمي الذي يحدث خارج إرادة الإنسان ومسؤوليته لا يتعلق سوى بنقطتين في رحلته، نقطة الميلاد، وما يرتبط به من ملابسات وظرفيات لا يد للإنسان فيها، ونقطة الوفاة، فالأجل خارج علم الإنسان.. وبين هاتين النقطتين يقع القدر الاختياري، أى ما يختاره الإنسان لنفسه، ويحيط به الخالق الذي أحاط بكل شيء علماً، ويجريه على سننه.

وأقدار الخالق حين تظهر ما بين نقطتي الميلاد والوفاة في الحياة الإنسانية، فإنها تتعلق في الأغلب بأمور تحدث خارج إرادة الإنسان «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

ما يحدث خارج الإنسان هو الموكول لقدر الله. والله تعالى عادل يجزي الإحسان بالإحسان: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ»، ويجزي السيئة بمثلها: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا».ليس للإنسان عندما يفشل في أمر من أمور الحياة أن يتهرب من مسؤوليته الذاتية، ويعلق فشله على أسباب سماوية، بعيداً عن أدائه على الأرض.

الله تعالى خلق الإنسان مسؤولاً عن أفعاله، وسوف يحاسبه الله عليها، وعليه ألا يؤدي -كمخلوق مسؤول- بمنطق أن النجاح له ألف أب، أما الفشل فيتيم يبحث عن نسب له من خارج العالم، أو من خارج رحم الأداء الذي أدى إليه!

آيات قرآنية كثيرة تؤكد على فكرة «مسؤولية الفرد عن أفعاله»: «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ».. «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ».. بل إن المجموع أيضاً مسؤول عن أفعاله وليس الفرد فقط: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ».

الأفراد والشعوب مسؤولون عن أفعالهم، وتعليق أي إخفاق يحدث على مستوى الفرد أو الجماعة على أسباب من خارج الأداء ليس له من معنى إلا استمرار الفشل وتواصله، أما إدراك الأسباب فيعني ببساطة التعامل معها وحل المشكلات والانتقال إلى مربع النجاح.جميل أن يتذكر الإنسان ربه وقت المحن والشدائد.. فمن للعبد إلا مولاه، ولكن عليه أن يتذكر نفسه أيضاً ويفتش فيها، ويحاول الوقوف على الأسباب الذاتية التي أدت به إلى الوصول إلى ما وصل إليه.

في هذه اللحظة فقط يستطيع أن يطمئن إلى أنه وضع قدمه على أول طريق الخروج من المحنة أو الشدة، وحينها يبدأ في التعامل مع هذه الأسباب ويطلب العون من الله تعالى، والله في عون من قرر تغيير نفسه لأنه سبحانه لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ».

نقلًا عن «الوطن»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى