
فُقَهاء السوء يحاولون دائمًا عزل العبادات عن المعاملات، فيحصرون الدين كله في العبادات سواء الصلاة والصيام والزكاة والصوم وحج البيت، والتي هي علاقة خاصة بين العبد وربه.
ويتجاهل فقهاء السوء «المعاملات» التي يتم بها صلاح أمر المسلمين في الدينا والآخرة، حيث تشمل الأخلاق الحميدة مثل المحبة والتسامح والتآخي والتراحم والبِرّ والصدقة، وهي صفات تساهم في إعمار الأرض واستقرار البشرية.
والمتأمل في مناهج أصحاب الخطاب الديني وفقهاء السوء يجدهم يركزون دائمًا علي خطاب الفُرقة والعنف والقتل باسم الدين والجهاد في سبيل الله، استنادًا إلى روايات مكذوبة ومنسوبة زورًا وبهتانًا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فقهاء السوء ودين المعاملات
يقول الكاتب والمفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتابه «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»: «إن العبادات في القرآن الكريم وسائل تؤدي إلى غاية من الغايات أو هدف عظيم.
فالصلاة في المفهوم القرآني وسيلة يُستعان بها لما هو أعلى منها يقول تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ» (البقرة: 45)
وكذلك الصيام فهو وسيلة فقط إلى غاية تُسمى التقوى: «يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 183)
فالغاية هي التقوى كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 21)
والتقوى هي أداء تكاليف العبادات كما أمر الله والخوف منه يوم الحساب، الذي يمنعه من ارتكاب أنواع المعاصي كافة، وكفّ الأذى والعدوان والبعد عن الظلم والبغي، والتقرب إلى الله بتلاوة القرآن والتدبر في آياته واتباع ما أحلَّ الله وما حرمه.
يقول الله تعالى: «…وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..» (المائدة: 2)
الإسلام يأمرنا بالبر في كل شيئ
ويضيف المفكر العربي علي محمد الشرفاء: إنَّ الله يأمر المسلمين بالتوسع في أعمال الخير والإحسان والتعاون في سبل الخير والإصلاح كافة بين الناس والتكافل في مساعدة المحتاجين ورفع الضرر عن المظلومين والامتناع كليًّا عن مساعدة الظالمين وإعانة المعتدين واتباع سبل العدل والدفاع عن الحقوق.
وقد اُبتليت الأمة ببعض فقهاء السوء، خدعوا الناس باجتهاداتهم وما استمدوه من روايات تدعم استنتاجاتهم لصرفهم عن الخطاب الإلهي للناس، وعمل هؤلاء بدعوتهم إلى حصر الأركان في العبادات، وعملوا على إلهاء الناس وصرفهم عن الغايات والأهداف العُليا للإسلام واستبدالها بالوسائل، لأنَّ العبادات سهلة التطبيق ولا تحتاج إلى جهد في مجاهدة النفس وتطويعها وكبح جماحها في تدريبها على أخلاق القرآن وفضائله النبيلة التي أمر الله المسلمين بأن يلتزموا بها في معاملاتهم وسلوكياتهم.
وليس في كل الأحوال تكون النوايا حسنةً والمقاصدُ طيبةً، بل إننا نستشعر أنَّ حملات استهداف الأمة فكريًّا وعقائديًّا كانت الروايات والإسرائيليات تقف خلف هذا الهدف للحيلولة دون قيام الأمة ونهوضها، لينشغل المسلمون في دوامة المناظرات والفلسفات المستوردة من أوروبا والانزلاق في تصديق الروايات التي فرَّقت المسلمين شيعًا وطوائف وأحزابًا يقاتلون بعضهم بعضًا في حين نقرأ في القرآن أنَّ النبي جعله الله رحمةً للعالمين.
كما يقول الله سبحانه وتعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107)
ثم لا نرى هذه الرحمة عند المسلمين، ونقرأ أنَّ القرآن ذِكرٌ لِلعَالمينَ، حيث يقول سبحانه: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ » (القمر: 17)
وقوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ » (فاطر: 29)
ثم لا نراهم يتلون القرآن ولا يتدبرون ما فيه من حكم ونصائح ولا يتفكرون في خلق السماوات والأرض أو يستنبطون منه التشريعات اللازمة لضبط نظم الحياة ومتطلباتها، من قوانين تنظم حياة المجتمعات الإسلامية بتشريعات وضوابط لسلوكيات أفراده.
ذلك أنَّ حشد الروايات المُلفّقة، وفتاوى علماء السلطان على مَرِّ العصور كانا سببًا في الالتباس الذي نراه في فهم المسلمين لأركان الإسلام الخمسة.