فَنَاء الأُمم في الخِطاب الإلهي «1»
القرآن الكريم يعرض تجَارِب السابقين لتكون عِبرةً للمسلمين

القَصَص في القرآن الكريم، من السِمات البارِزة في كِتاب الله العزيز، والتي تُبين تاريخ الأُمم السابقة لتَعتَبِر بها الأجيال والأُمم الحالية.
يقول تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ…» (يوسف: 111)
ويكشِف القرآن أسباب بقاء وفَنَاء الأُمم كما جاء في كِتاب «الأُمم بين أسباب الفَنَاء وعوامِل البَقَاء في ضَوء القرآن الكريم» للدكتور (محيي الدين عفيفي) أمين عام مَجمَع البحوث الإسلامية.
وقد بيَّن الكِتاب الحِكمة من عَرْض قَصَص الأُمم السابِقة لتكون دَرساً للأجيال الحالية والقادِمة لعَدَم الوقوع في الأخطاء التي كانت سبباً في هلاكِهم.
القَصَص القرآني يكشِف أسباب هلاك الأُمم السابقة
يقول الدكتور( عفيفي) إنَّ حديث القرآن عن الأُمم السابقة جاء من أجْل وقاية المسلمين من النهاية الأليمة التي ألمَّت بالسابقين، عندما إختاروا الكُفر والضَلال.
وأكدَّ (عفيفي) أنَّ القرآن الكريم أفاض في الحديث عن الأُمم السابقة منْ أجْل تَبْصير المسلمين بعاقِبتهم بعد أنْ خالَفوا تعاليم الله.
كما أنَّ القرآن جَعَل في ذِكْرهم العِبرَة والعِظَة والتعَلُم حيثُ قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (يوسف: 111).
مُشيراً إلى أنَّه ما كان لنا أنْ نتعَرَف على واقِع تلك المجتمعات لولا القَصَص القرآني «تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ» (هود: 49).
وأكدَّ (عفيفي) أنَّ القرآن الكريم لم يَعرِض قَصَص السّابِقين فَقَط، بلْ بيَّن أسباب فنائها ليُحذِر المُستَخلَفين من المَصير الذي إنتهى إليه مَنْ سَبَقهم.
مُشيراً إلى أنَّ مِنْ أسباب فَناء هذه الأُمم أنَّهم كذَّبوا الرُسل واستَكبروا وتَجَبروا وكفروا بالله وعاثوا في الأرض فساداً.
كما بيَّن الخِطاب الإلهي عوامِل التَمكين والبَقاء في هذه الحياة، حيثُ قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور: 55).
وأوضَحَ (عفيفي) أنَّ الإيمان بالله والعمَل الصالِح هُما العامِلان الأساسيان في التَمكين في الأرض بمُقتضَى وَعْد مِنه ولا يُخلِف سُبحانه وَعْدَه.
مُضيفاً أنَّه متى كان الإيمان والعَمَل الصالِح تحقَّق التَمكين والبَقاء في أي مكان وأي زمان، وأنَّ الأُمم التي تتَنَكر لخالِقها وتقتَرِف الذُنوب والمعاصِي تخضَع لسُنن الله تعالى في هذا الشّأن.
الفساد في الأرض يُهدد بَقاء الأُمم
ويكشِف( عفيفي) في كِتاب «الأُمم بين أسباب الفَنَاء وعوامِل البَقاء في ضَوء القرآن الكريم» أسباب فَنَاء الأُمم.
حيثُ يرى أنَّ الذُنوب والمعاصِي بمَثابة الأمراض الفتَّاكة التي تهدِم الجِسم وتنسِف الصِحة وتُعجِل بالنّهاية، وبذلك ما يَصدُق على حياة الأفراد يَصدُق على حياة الأُمم.
وأوضَح أنَّ الحياة ليست عَبثًا أو جُزافًا أو تَمضِي كما يتَمنَى الأفراد أو يتَخيَلون، فهناك سُنَن لا تتَغَير ولا تتبدل ولا تخضَع لتغيُر الزمان أو المكان فضلًا عن عَدَم مُحاباتِها لأحد فالكُل أمام الله سَواء لا اعتبار لجِنس أو عَقيدة.
وتَطَرَّق إلى أنَّ القرآن يُقرِّر هذه الحقيقة ويُركِز عليها حتى يَعيها الناس ويَدرِكونها، وفي ذلك لا يَعتمِد على الكَلام النّظري الذي تَعُوزه التَجرِبة العمَليَّة.
مُؤكداً أنَّ القرآن الكريم يَعرِض لنا الواقِع العَمَلي للأُمم السّابِقة وموقِفها من الرُسل عليهم السلام، كما جاء في قَصَص الأنبياء السابِقين «نُوح وصالِح ولُوط وشُعيب وموسى وعيسى».
وكشَفَ عن نهاية هذه الأُمم وأنَّه لم يَستَثنِ واحدةً من سُنة الله في الأُمم الظالِمة فقال تعالى: «فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (العنكبوت: 40).