ماذا قال الغزالي عن «عَبَدة الأهواء»؟
بعض المسلمين خلطوا بين الخطاب الإلهي والباطل الذي صنعوه

في كِتابه «مائة سؤال عن الإسلام»، كَشَف المرحوم الشيخ (محمد الغزالي)، الكثير من اللَّغَط والعَبَث المُثار حَول المعاني المَغْلوطة والفتاوَى الكاذِبة والتأويلات الباطِلة للنُصوص القرآنية، ووضَّح المعاني الحقيقية لآيات القرآن الكريم.
وذَكَر أنَّ الشخص الذي يرفُض معرِفة الله والتقيُّد بدينه مهما نَبَغ في أمرٍ ما، فهو مُعتَل الضمير، زائغ التفكير، مَخُوف السلوك على الأقربين والأبعدين، بل هو إلى الحيوان أقرَب منه إلى الإنسان، وعبادته لِهواه تجعَله مَشْئومًا على نَفْسه ومَن اقترَب منه، وقد يُعاقِبه الله في العاجِلة فيجْعَل ذكاءَه ضده، فيبحَث عن حَتْفه بظَلفَه ويحفُر قبرَه بيده.
وقد وصَف الله سبحانه وتعالى هذا الصنف من الناس بأنهم «عبيد لأهوائهم» فقال تعالى: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا . أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (الفرقان:43-44)
المُتشدِّدون خَلطوا بين الحق الإلهي والباطِل الذي صنعوه
وتابع: مَنْ عَرَضَ باطلًِا ما، على أنَّه دين، فهو كاذِب، والكُفْر بما عَرَضَه واجِب، مُشيرًا إلى أنَّ الناس في عصرِنا هذا فُرَقاء مُتبايَنون، مِنهم من يُنكِر الإلوهية ويَتَصور العالَم لا ربَ له.
وأشار إلى أنَّ منهم من يعتَرِف إعترافًا غامِضًا بالأُلوهية، ويحسَب الأديان الكُبرى مُتساوية المَنْهج والقِيمة، ومنهم من يَعتنَِق اليهودية أو النصرانية، ولا يرغَب عنهما أبدًا، ومنهم الوثنيّ المُغلَق ومنهم المُسلم الذي رضِيَ بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا ورسولًا.
وأكد أنَّه في المسلمين غَوغاء يُحيون وِفْقَ ما ورِثوا مِنْ سُنن وبِدع وعِلْم وجَهْل وهَدْى وهَوى وفيهم دُعاة إلى الحق الذي نفَذَّه السَلَف الكِبار، ثم استَوحَش قليلًا وكثيرًا مع مَسيرة التاريخ، ثم أمسى غريبًا في هذه الأيام.
ولفت إلى أنَّ مُشكلة الدُعاة المسلمين، تَجيء من الصورة التي يَظهر بها الإسلام في العالَم الإسلامي، وتجْعَل المرء السويّ في بلاد أُخرى يَنْفُر منه.
الجُهلاء قدَّموا الدين الإسلامي على أنَّه دين التشدُّد واحتقار المرأة
وقال: هناك مُشتغِلون بالعِلْم الديني يُقدِمون الإسلام على أنهَّ حَبْس وتَجْهيل للمرأة، يجتهدون في تقرير أحكام تُظهِر النساء وكأنهُنّ جِنس مُهدَر الحُقوق، مَحْقور المنزِلة مغْموض العَقْل يُستَغرَب وجوده في ميادين العِلم والعِبادة والجِهاد.
وأضاف: لا جَرَمَ أنَّ النِساء في شرق العالَم وغربه تأبى إعتناق هذا الدين وترى الحِكمة في تَجنُبه، ويؤازرُهُنَّ في ذلك ألوف الرِجال الشُرفاء.
وتابع (الغزالي) : فِتْنة الناس عن الإسلام بهذه الطريقة هي شيء مُحزِن حقًا، وكثيرًا ما أذكُر قصة البدويّ الذي قالوا: إنَّه عَرَض ناقَتَه في السُوق بدِرهَم واشترَط أنْ يُباع مَقودَها معها بعشرة آلاف، فكان الناس يقولون ما أرخَصَها لولا هذا المَقود الملعون أجَل وما أسهَل إعتناق الإسلام لولا هؤلاء المَحْمولون عليه اللاصِقون به.
نسأل بعدَئذٍ: هل الشخص المُلحِد الكافِر بالله ولِقائه ووَحيه يُمكِن أنْ يكون سَويًا رَشيدًا؟ ونُجيب: إنَّ مثل هذا المخلوق مُصاب يقينًا في بَصيرته وسيرته، وإنكاره لربه أفحَش من عُقوق الولد لأبيه البرّ الرحيم.
ونوَّه بأنَّه قد تكون له موهبة عِلمية، لكنْ ذلك لا يرفع خَسيسته، وقد حكَمت(الولايات المتحدة ) بالإعدام على عالِم بالذرة أفشَى أسرار عمله للروس، إنَّه عُدَّ من كِبار المُجرمين لأنَّه خان وطنه وقومَه وما الوطن؟ قطعة مِنَ الأرض، وما القَوم؟ قَبيل من الناس، فكيف بمَنْ خان ربَّ الأرض ِوالسماء وربَّ البشرِ كلهم؟ ألا يُعَد مُجرمًا؟
وشدَّد على أنَّ عظمَة موهبةٍ ما، لا تنفي الإصابة بعِلَل مُهلِكة، فقد يكون المرءُ حادَ البصر جدًا، ولكنه مُصاب بسرطان يُوشِك أنْ يختَرِم عُمُرَه ويُورِده المهالِك، فما غَنَاء بصَره القويّ مع عِلتِه الجسيمة؟