- الأزهر وتصويب الخطاب الإسلامي - 17 مايو، 2019
- قوات المواجهة الفكرية - 5 أبريل، 2019
- تلاميذ مفتي السلطان - 19 مارس، 2019
تصيبنا الحوادث الإرهابية بالوجع، تؤلمنا، وتعزز مشاعر خوفنا على الوطن ومستقبله، ولكن يقينًا كامنًا في قلوبنا يخبرنا بأن مصر هي الأقوى والأبقى والمنتصرة.
وأن هذه الحوادث العارضة ما هي إلا دروس وفُرص تكشف لنا من يقف مخلصًا في صف الوطن، ومن يقف ممثلًا في انتظار الفرصة المناسبة لطعنه.
ومع كل حادث إرهابي، صغيرًا كان أو كبيرًا، تتكشف لنا مأساة وجود دواعش متطرفين في شوارعنا.
كما يتكشف لنا وجود خائبين خاسرين من أهل النُخبة المصرية، ينتظرون الكارثة لامتطاء ظهرها تحقيقًا لأيّ مكسب يمكن الحصول عليه، عَبْر تنظيرات وكلمات تلبس ثوب النصيحة عن التقصير وماذا كان يجب أن يحدث، وماذا يجب أن تفعل الدولة.
بينما تجربتهم في الواقع أضعف وأفشل من أن تسمح لهم بإسداء النُصح أو التنظير.
خطايا نُخَب التنظير في معارك الوطن
لمن يسأل كارهًا أو صائدًا فى الماء العكر أحيانًا أو بحسن نية في بعض الأوقات، لماذا تتحدثون دومًا عن خيبة الأمل في النُخبة المصرية، ولماذا تضعون أهل الفكر ورجال الدين تحت مِقصلة التقصير؟
للسؤال إجابة يعززها الواقع الذي يظهر فيه أهل النُخبة ورجال الدين، تائهين مجذوبين لمساحات جَدَل تضمن لهم وجودًا في بؤرة أضواء الشُهرة، دون تقديم مُنتَج فكري حقيقي يدعم الدولة في حربها ضد الأفكار المتطرفة والإرهاب.
ومن بطن الإجابة عن هذا السؤال، ستجد نفسك منتبهًا إلى ما هو أخطر في أداء النُخبة التي تسعى للتغطية على فشلها في مواجهة التطرف والإرهاب، بالتنظير الدائم في الخطط الأمنية والإستراتيجة، ومن هنا تبدو الانطلاقة لإجابة وافية مناسبة جدًا.
أمنيًا تبدو المواجهة منتظمة ومنضبطة وتؤتى ثمارها، يقدّم الأبطال من رجال الجيش والشرطة أرواحهم لحصار الإرهاب وتضييق الخِناق على أهل التطرف والعنف والسلاح.
النتائج في سيناء مُبشِّرة، والحصاد في المحافظات يبشر بالخير، تسقط خلايا إرهابية ويداهم رجال الأمن مزارع تحولت إلى مخازن سلاح، يؤدي الأمن مهمته بهمّة وحماس ونجاح، ولكن هذا ليس كل شىيء؟!
المعركة في انتظار قوات المواجهة الفكرية
الحرب تحتاج إلى من يكمل معركتها الأخيرة، قوات من نوع آخر، وأسلحة برصاص مختلف، وتأخُّر قوات المرحلة الأخيرة من الحرب يهدر دماء وتضحيات وعرق الأبطال الذين يخوضون المرحلة الأولى من الموقعة.
قوات المواجهة الأمنية تؤدي المهمة على أكمل وجه، بينما قوات المواجهة الفكرية حائرة مضطربة، وبعضها يعاني كسلًا وفقرًا فكريًا وخططيًا ومنهجيًا، يمنعها من تأدية مهامها والحفاظ على مكتسبات قوات خطة المواجهة الأمامية.
التحركات في المؤسسات الدينية كسولة وبطيئة ولا تقدم منتجًا فكريًا قادرًا على التصدي للأفكار المتطرفة بشكل مناسب وحاسم وسريع، والتحركات في ساحة النُخبة التي تصرخ كل ليلة من التطرف تائهة ولا تقدم ما يمكنه صد الأفكار الملوثة التي تشكو منها.
بالنظر إلى أغلب القضايا الأخيرة التي سقطت فيها خلايا الإرهاب بالمحافظات، أو بتدبّر حصاد المُداهمات الأمنية في سيناء من أحراز تتمثل في كُتُب وأوراق، ستدرك مدى تأخُّر المواجهة الفكرية كثيرًا عن أداء مهمتها.
ضمن الأحراز والمضبوطات الخاصة بالإرهابيين دائمًا ما تجد عناوين مكررة لعدد من الكتُب التي تحمل أفكارًا متطرفة، مثل «أعدوا للمقاومة» لمؤلف اسمه أبومصعب السوري أو كتاب «العمدة في إعداد العُدة» أو كتابيِّ «التبرئة» و«الحصاد المُر» لأيمن الظواهري.
المؤسسات الدينية خارج الخدمة!
أدى رجال الأمن مهمتهم في عملية القبض والتحريز، فلماذا لم يتحرك رجال الفكر لاستلام مهمتهم في إعادة فحص محتويات هذه الكتُب والرد عليها وتفنيدها؟ لماذا يهربون من أرض المعركة بعضهم مُكتفيًا بتشجيع الدور الأمني، والبعض الآخر مُتعللًا بالظروف، بينما الجزء الأكبر تائه وحيران دون منهج فكري موَحد للمواجهة؟!
يتكرر الأمر مع خلايا الإخوان، يؤدي الأمن مهمته ويعلن لرجال الفكر قوائم مضبوطات بكتب تحتوي على أفكار يجند بها الإخوان شبابًا جددًا مثل، «نحو جيل مسلم» أو «طريق الدعوة» الذي قام بتأليفه المرشد الراحل مصطفى مشهور، أو «أفراح الروح» تأليف سيد قطب، أو كتيبات صغيرة تحمل عناوين «القرآن فوق الدستور» و«ضوابط العمل الإسلامي» و«الجهاد بالمساهمة» و«فقه الجهاد وزاد المجاهدين» و«قوارب النجاة في حياة الدعاة» لفتحي يكن، أو مؤلفات سيد قطب «التصوير الفني في القرآن الكريم»، و«في ظلال القرآن» و«معالم في الطريق».
يتم إعلان هذه المضبوطات في قوائم رسمية وبمحاضر رسمية.
ومع ذلك لم نسمع أن الأزهر أو الأوقاف أو دار الإفتاء أو بعضًا من أهل النُخبة قد تقدم متطوعًا وطالبًا من الأجهزة الأمنية هذه القوائم، مُنسقًا مع مؤسسات الدولة لإصدار رد وافٍ على كل ما فيها من تطرُّف وأفكار دينية تم التلاعب بها وتأويلها لخدمة العنف..
كِتاب في مواجهة كِتاب..
وفكرة في مواجهة فكرة..
وتفسير صحيح في مواجهة تفسير مُحمَّل بالمصلحة والجهل.
هذا ما يجب أن يحدث مثلما تواجه رصاصة رجال الشرطة والجيش رصاصة الإرهاب، فهل آن الأوان أن تصبح رصاصة الفكر جزءًا من المعركة بنفس قوة رصاصة الأمن؟!
المصدر:
مقال «موسم ظهور «قوات نُخبة التنظير» بعد الحوادث الإرهابية»، المنشور بموقع اليوم السابع.