الأسرة والمجتمع

كفالة اليتيم في الخطاب الإلهي

لماذا نهى الإسلام عن التبنّي؟

ما ترك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم شيئًا مما يحتاج الناس إليه إلا بينه، قال تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ» (النحل: 89)

ومن أعظم الأمور التي بينها الله في كتابه هي الحقوق المتبادلة بين البشر، وخاصةً حقوق الضعفاء من عباده ، فاليتيم ذُكر في القرآن 23 مرة، وهذا أعظم دليل على عظم قدره عند الله تعالى ورعاية الله له بالأمر برعايته والإحسان إليه.

وفي المقابل نجد أن الاتفاقيات الدولية رغم أنها صدعت الرؤوس بكثرة الإعلانات والمواثيق المتعلقة بحقوق الطفولة لم تولِ عناية كبيرة باليتيم، ولم يذكر حقه إلا في إعلان جنيف، حيث نص في مادته الثانية على وجوب إيواء وإنقاذ اليتامى، وأما إعلانات حقوق الطفل فليس فيها شيء يختص باليتامى، مع أن هذه الإعلانات والمواثيق عدلت وطورت وأقرت في أوج تطور الحضارة والمدنية واهتمامها بتدوين الحقوق، ووضع القوانين.

كيف حفظ القرآن الكريم حقوق الأيتام

اليتيم هو من مات أبوه وهو في بطن أمه أو كان صغيرًا لم يبلغ الحلم،وينتهي سن اليتم بعد البلوغ.

وإذا تحدثنا عما ذُكر في القرآن بشأن الأيتام نجد أن الله سبحانه وتعالى لم يترك شيء يحفظ لليتيم حقه، إلا وورد ذكره بدايةً من المعاملة الحسنة في قوله تعالى: « فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ » (الضحى: 9).

«أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» (الماعون: 1- 2)

ولا تقتصر الآيات على رفض إيذاء اليتيم معنويًا، بل تدعو كذلك إلى إكرامه بالمعاملة الطيبة في قول الله تعالى: «كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ» (الفجر: 17).

وكذلك حفظ حقوقه المادية بالنهي عن العبث في أمواله إلا بما يعود عليه بالمنفعة ونجد هذا المعنى في قوله تعالى: «… وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ… » (الأنعام: 152)

وقوله: « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا » (النساء: 10)

حيث شدّد الله سبحانه في هذه الآية على عقوبة العبث في أموال الأيتام.

كفالة اليتيم التي أمر بها القرآن

ومن الآيات السابقة وغيرها ندرك مدى تعظيم القيام بمهمة رعاية اليتيم، والقيام بهذه المهمة له وجهان، وجه مشروع أجازه الإسلام ووجه آخر محرّم نزل تحريمه في آية في القرآن الكريم .

الوجه الأول: يتمثل في رعاية اليتيم بكفالته وهو الوجه المندوب شرعًا، وذلك بالإنفاق عليه ورعايته وضمه تحت كنف من يكفله في أسرة ترعاه دون أن يعطي له ذلك المتكفل به  اسمه، بل يظل محتفظًا باسمه، وبذلك يعطي لليتيم الرعاية والحنان الذي يفتقده، وقد تكون كفالته داخل أسرته بالتكفل بالإنفاق عليه ورعاية شئونه والقيام على مصالحه دون ضمه إلى أسرة من يكفله.

أما الوجه الآخر: وهو الذي نُطلق عليه مُسمى “التبنّي” ويعني أن يتخذ المرء ابنًا ليس ولده ولا من نسبه، ثم ينسبه إليه ويتعامل معه وكأنه ابنه الحقيقي، وهذا محرَّم في الإسلام لما فيه من ضياع للأنساب ولاختلاط الجنسين المحرّم بين الطفل المُتبنَّى وأسرة المُتبنِّي، كما أن هذا النوع من التبنّي قد يسبب مشاكل في الميراث وضياعًا للحقوق وهذا أيضًا محرّم في الإسلام.

التفريق بين التبنّي والكفالة لليتيم

فالإسلام وضَّح الفرق بين التبنّي وكفالة اليتيم من خلال قصة زيد بن حارثة (رضي الله عنه) الذي تبناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان يُدعى زيد بن محمد، وذلك بنزول الآية الكريمة من سورة الأحزاب «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ…(5)»

ومن هنا جاء التفريق بين مفهوم التبنّي وكفالة اليتيم.

ويقع الأطفال مجهولي النسب في نفس منزلة الأيتام من حيث الاحتياج إلى الرعاية،

ويجب التعامل مع هؤلاء الأطفال بالعطف وإحاطتهم بالمحبة والحنان فلا ذنب لهم بما اقترفه غيرهم من ذنب.

وهؤلاء أولى برعاية المجتمع لهم ودمجهم فيه حتى لا يتم استقطابهم من خلال عصابات الأعمال الإجرامية أو من خلال الجماعات الإرهابية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى