طاقة نور

كيف صور الخطاب الديني المرأة؟

المرأة بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي

بقلم: غادة أحمد

إن صورة المرأة في الخطاب الديني، قائمة على الكذب والمراوغة؛ إذ يحفل الخطاب الديني بكلمات رنانة، مثل: كرّم الإسلام المرأة، ورفع مكانتها، وما إن تبدأ البحث عن صدق ذلك في هذا الخطاب، حتى تصطدم بصورة أخرى مغايرة، فيها امتهان كبير للمرأة على عكس ما يُرجون. وليس أدل من الواقع وكلام مَن يسمون برجال الدين أو الشيوخ.

ربما يعكس ذلك سعيهم عبر سنوات طوال من وضع أحاديث مكذوبة على لسان نبينا الأكرم؛ لإحكام القيود حول المرأة وفرض سلطتهم الزائفة عليها.

تتجلى صورة المرأة في الخطاب الديني، في صور ثلاث: المرأة الأم، والمرأة الزوجة، والمرأة المعشوقة.

أما المرأة الأم فيجلونها ويُكبرون مكانتها، فهي مثال التضحية والتنازل والمحبة غير المحدودة، وهي التي تعفو وتسامح؛ يرتقي الخطاب بصورة المرأة الأم حتى مصاف المثالية التي لا تتدنى للبشرية، فهي فوق ذلك تحترم ابنها بل تخضع في بعض الأحيان لحمايته وسلطته. وخاصة بعد وفاة الزوج فيكون الابن مسئولًا عن إعالتها. وفي هذه الصورة اختزال كبير للمرأة الإنسان؛ فهي لا تتعب، لا تشكو، لا تتذمر، بل تتقبل وتمتص وتتحامل. وكذلك عليها أن تتنازل عن عملها إن أضر أو تعارض مع مصلحة الأسرة والأبناء، شأنها في ذلك ليس كشأن الأب الذي لا يقدم تنازلات، بل ينجح في عمله وفي بيته ويظل متواصلًا مع أصدقائه، ويمارس هواياته المفضلة… ولكن تبقى الأمومة ــ رغم عظم وخصوصية مكانتها ــ قيدًا ناعمًا حول عنق المرأة في الخطاب الديني.

أما المرأة الزوجة، فهي كصورة الأفعى أو الثعبان، تلك التي تسعى للسيطرة على الزوج وسرقته من أهله والاستئثار به، دائمًا موضوعة على المحك مع أمه وأخوته، مطالبة بالطاعة العمياء في كل ما يصدر عن الزوج من أوامر أو حتى إيماءات، ولها في ذلك الجنة ودعوات زوجها، أما هو فمعفوٌّ عنه ما يسقط منه من التزامات وعليها ــ كزوجة صالحة ــ ألّا تجأر بشكوى. إن هذه الصورة رسمتها أحاديث لا حصر لها في كتب الصحاح كما يطلقون عليها، وهي متنافية تمامًا مع ما جاء في النص الإلهي ــ أساس رسالة الإسلام ــ حيث يساوي الله عز وجل بين الرجل والمرأة: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران: 195)، حتى مسألة القوامة تُفسّر حسب أهوائهم وبما يخدم مصلحة الرجال.

أما صورة المرأة المعشوقة، فهي الفتنة والغواية والشيطان متجسدًا في صورة أنثى، مُختلقين في ذلك قصصًا لم ترد في القرآن الكريم بل وتتعارض مع ما جاء به، ففي الخطاب الديني يزعمون أن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة، في حين يقول الله عز وجل في سورة الأعراف: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)).

إن صورة المرأة في الخطاب الديني تتعارض تعارضًا تاما مع ما جاء به الله عز وجل في الخطاب الإلهي؛ الذي يساوي بين الرجل والمرأة ولا يجعل أحدهما تابعًا للآخر بل مكافئًا له، فعليها مثل الذي عليه من فروض وواجبات، لا ينقص من قدرها استثنائها من بعض الفروض التي لا تناسب طبيعتها، تمامًا مثل إعفاء الرجل من بعض الفروض التي لا تناسب طبيعته.

إن خطاب الله عز وجل خطاب رحمة وعدل، لا ظلم ولا جور ولا ذل في جواره، ولكن أيها القوم (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة: 61).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى