
كانت وفاة الرسول الكريم، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، لحظة فارقة في حياة الأمة الإسلامية، ليس لأننا فقدنا فيها رسول الله أعظم خلق الله جسديًّا، ولكن لأننا فقدنا معه البوصلة التي كانت الجماعة المسلمة الواحدة تتحرك بها، فصرنا جماعات وأحزابا وفرقا وطوائف، يسفك بعضنا دماء بعض! هكذا يرى الباحث والمفكر الإماراتي، علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتابه الرائع «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، الصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع» حال الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول عليه السلام.
فيقول الباحث الإماراتي الكبير، علي الشرفاء، حول تلك النقطة الفاصلة في مسيرة الدعوة والأمة الإسلامية: «بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام تفرَّق المسلمون، واُستُحدثت عشرات الآلاف من الروايات على لسان النبي، وظهر الخطاب الديني معتمدًا على مرجعيات بشرية ومفاهيم قصرت عن إدراك مراد الله من آياته لصالح خلقه، وتمّ عَزلُ القرآن، الخطاب الإلهي، الذي كلف الله سبحانه رسولَه أن يبلّغه للخلق.
توفي الرسول عليه الصلاة والسلام بعد حجة الوداع، بثلاثة أشهر عندما اكتملت الرسالة وسلم الأمانة بقول الرسول بما أنزل عليه من ربه:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا).. (المائدة: 3)
وفي تلك اللحظة انقطع الوحي بعدما أنجز ما أمره الله به وبما أنزله على رسوله من كتاب مبين، وقد كلف الله رسوله بما يلي:
قوله سبحانه وتعالى:
(وَأنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِماَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاُءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فيما آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).. (المائدة: 48)
وقولة تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).. (المائدة: 67)
وقوله تعالى:
(كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتَنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (الاعراف 2) اتَّبِعُوا مَا أنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).. (الأعراف: 3)
وقوله تعالى:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ أنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ).. (الأعراف: 37)
وقوله تعالى:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ).. (يونس: 71)
وقوله تعالى:
(بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الظُّالِمِينَ).. (يونس: 39)
وقولهَ تعالى:
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أنَّمَا أنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ).. (هود: 14)
وقوله تعالى:
(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرجِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رِبّهِمْ إلى صِرَاطِ الَعَزِيزِ الْحَمِيد).. (إبراهيم: 1)
وقوله تعالى:
( وَمَا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).. (النحل: 46)
وقوله تعالى:
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى للمسلمين ).. (النحل: 89)
وقوله تعالى:
( إِنَّ هَذَاَ القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أجْرًا كَبِيرًا ).. (الإسراء: 9)
وقوله تعالى:
( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا).. (الإسراء: 41)
وقوله تعالى:
(وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أدْبَارِهِمْ نُفُورًا ).. (الإسراء: 46)
وقوله تعالى:
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القرآن مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ).. (الإسراء: 79)
وقولة تعالى:
(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا).. (الإسراء: 106)
وقوله تعالى:
(وَمَنْ أَظَلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَضِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أبَدًا).. (الكهف: 75)
وقوله تعالى:
(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ . لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ).. (يس:69-70)
وقوله تعالى:
(وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِيُ الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).. (الشورى: 7)
وقوله تعالى:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (34) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).. (الزخرف: 44)
وقوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ).. (ق: 45)
لقد جاء في الآيات السابقة ما يؤكّد أنَّ الله سبحانهَ وتعالى كلّف رسولَه بأن يبلّغ الناس آيات اللهِ ويحدّد لهم خارطة الطريق المستقيم لحياة الإنسان ليتمتع بنعيم الدنيا وما أحلّه الله له، ويبتعد عمّا حرّمه الله عليه، ليعيش سعيدًا في حياته الدنيا ويكون آمنًا يوم الحساب.