
لا زلنا نستعرض معًا ما كشفه الباحث والمفكر الإماراتي، علي محمد الشرفاء الحمادي، من الأسباب التي أدت إلى انهيار الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، حيث يقول في كتابه القيم «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، الصادر عن دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع: «وكان القرآن هو الكتاب الذي أمر الله رسوله بإبلاغه للناس، تأكيدًا لقوله تعالى:
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ).. (الأنعام :19)
إن هذه الآية قد حسمت مسؤوليةَ الرسولِ عليه الصلاة والسلام وحددت وظيفته بأن يتقيد في تبليغ رسالة الله التي تضمّنها القرآن الكريم في آياته، ولذلك فقد انحصرت مهمّة الرسول في التذكير بالقرآن وشرح مراد الله منها لخلقه، فإذا كانت مهمة الرسول حددها اللهُ سبحانه بإبلاغ الناس بالرسالة فمن أين أتى منشئوا الروايات وافتروها على الله ورسوله واختطفوا الرسالة بأقوال وأكاذيب باطلة، فأصمَّت الآذان وأعمت الأبصار وغيَّبت العقول للذين تصدّوا للدعوة والوعظ آمنوا بها وبما يتلقونه من افتراءات وأكاذيب تسعى للنيل من القرآن ومن الرسول؟!
وساد الباطل في المجتمع الإسلامي، عندما تمت تنحية القرآن الكريم كمرجع للتشريع القانوني والاجتماعي لضبط المعاملات بين الناس، ونور من الله يضيء للناس سبل الحياة والسلام، فتراجع المسلمون في شتى علوم الحياة وتراجع التفكير في البحث والإبداع، وأصبح المسلمون بما وهبهم الله من ثروات وخيرات تعينهم على الاختراعات والتميز والإنتاج والإسهام في تقدم الحضارة الإنسانية في مختلف العلوم التي يعتبرها الدين الإسلامي أحد عناصر العبادة وطاعة الله في التفكر والتدبر فيما خلق، ليوظفوا ما يتحقق لهم من نتائج الأبحاث العلمية كي تستفيد بها البشرية.
فنرى المسلمين اليوم يتلقون فوائض ما تجود به أسواق الغرب عليهم ويدفعون لهم ثرواتهم ثمنًا مضاعفًا، وانسحبوا من حركة التطور الحضاري عندما عصوا الله في أمره لهم بالتدبر والتفكر وخسروا ما وهبهم الله من رزق وثروة ورضوا بالروايات التي شلّت التفكير وحلّ محلّه التكفيرُ، ليتحقّق التشرذم والتقاتل بين المسلمين فينشغلون بأنفسهم، وغيرهم يعمل بجهد واجتهاد في تطوير العلوم وتنمية الأوطان لتحقيق الرفاهية لشعوبهم، ونحن رضينا بالدماء تروي الأرض بغيًا وظلمًا وتخلفًا، عندما تركنا منهج رسالة العلم والإيمان والرحمة والعدل والسلام، وحلّت مكانَها دعوة القتل والترويع والبغي والطغيان.