
لماذا فرض الله العبادات علينا؟ سؤال قد يبدو غريبًا أو بديهيًّا.. وفق الزاوية التي تنوي أن تجيب عليه من خلالها، فقد تعتبره سؤالًا ليس له محل له من الإعراب؛ لأن سبب فرضية الصلاة والصيام والزكاة والحج علينا ليس مطروحًا للنّقاش، كما أنك قد تتوقف برهة أمام هذا الأمر وتحتار في إيجاد إجابة مقنعة لهذا التساؤل، أو تكتفي بترديد أقوال من سبقونا من الأجيال والعلماء ممن نسميهم «السلف» دون أي محاولة منك لكشف غموض الأمر بنفسك.
ولكن المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي كان له رأي آخر، فهو لم يكتفِ فقط بإثارة السؤال بل تجاوز الأمر ليجيب عنه بنفسه من خلال بحث عميق تضمنته صفحات كتابه القيّم «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث»، ومن بين ما قاله: «أنه من أجل المبادئ والقيم والأخلاق جُعلت الصلاة والزكاة والصيام والحج، وأن ما أطلق عليها العلماء والفقهاء أو حصروا تسميتها بالأركان، قد تجاهلوا أو غفلوا عن أنها مجرد وسائل موصلة لمقاصد وغايات عُليا هي الأخلاق والقيم والمبادئ السامية التي ترتقي بسلوك الإنسان وتعامله مع الناس.
إن جملة الممارسات والشعائر التعبُّدية من صلاة وصيام وزكاة وحج، هي في الأساس وسائل تدفع بالإنسان إلى الوصول إلى الإسلام.. الذي هو جملة الأخلاق التي جاء بها القرآن، ودعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء من قبله، وهذه الوسائل تكمن قيمتها في التدبر في القرآن لمعرفة مراد الله في التربية والتزكية وكبح جماح النفس عن الظلم والاعتداء على الناس والافتراء بدافع القوة أو الثروة أو السلطة والمكانة الاجتماعية.
فغاية التذكير والتربية والتزكية عبادة الله، وتفعيل دور الأخلاق في الممارسات البشرية لصلاح المجتمع الإنساني، والاستخلاف في الأرض وعمارتها، ليصلوا بذلك إلى تحصيل السعادة حينما يتحقق للناس الرحمة والعدل والحرية والسلام وتكون الكلمة الطيبة وسيلة التخاطب بين الناس لتتحقق الألفة والمودة والتراحم.
وما يردّدونه ويطلقونه في شعار أركان الإسلام المختزلة، ليس بمُستغرَب ألا نجده في كتاب الله القرآن المجيد، ولا توجد آية تتحدث عنه في الخطاب الإلهي والذي يصادم مفهومًا قرآنيًّا واضحًا، حين لا تكون الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية العادلة موجودة ضمن أركان الإسلام التي تدعو لها رسالة الإسلام والتي أنزلها الله على رسوله الكريم .