أخطاء شائعة

القتال في سبيل الله (2-2)

إنّ عدمَ الاعتداء يتضمنُ الامتناعَ عن كلِّ الوسائلِ العدوانيّةِ التي من شأنها استفزازُ الطرفِ الآخرَ

فالله سبحانه لا يريد لعباده القتل، بسبب العقيدة والعبادة، فهو سبحانه القاضي وحده على الناس في أمور العقائد، وأعطاهم الحَق للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأراضيهم وأموالهم فقط والله فلا حروب دينية ولا عدوان إلا على الظالمين كما قال تعالى: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 22)، وقوله تعالى: (مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها) (الإسراء  (15ليظل حق الإنسان مقدسًا في اختيار عقيدته وطريق عبادته فلا وصي عليه من البشر.

إنّ عدمَ الاعتداء يتضمنُ الامتناعَ عن كلِّ الوسائلِ العدوانيّةِ، التي من شأنها استفزازُ الطرفِ الآخرَ أو الإضرارِ بمصالحِهِ، أو التهجّمِ عليهِ بمختلف الوسائل أو نشر الإشاعات لإثارة الفتنة داخل المجتمع الواحد لتهديد الأمن والاستقرار، فكلُّ تلكَ الحالاتِ تؤسسُ مناخًا للاقتتالِ، وما تحدثهُ الحروبُ من أضرارٍ وكوارثَ وما تسيلُ فيها من دماءِ الأبرياءِ والأطفالِ والكهولِ، وما يتم حرقهُ من بشرٍ وماشيةٍ وشجرٍ. ذلكَ يتعارضُ مع ما يريدهُ اللهُ لخلقهِ من حياةٍ آمنةٍ مستقرةٍ يتبادلُ فيها الناسُ المنافعَ ويعيشون حياةً كريمةً في رخاء وسلام.

وهؤلاءِ الّذين يقاتلون في سبيلِ اللهِ دفاعًا عن أوطانهم، وعنْ أعراضِهم وأموالِهم، هم وحَدَهُم الَّذِين اختصّهم اللهُ بتكريمهم ويحتَسبُهم عندَهُ شهداءَ تأكيدًا لقولهَ تَعَالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمْوَاتًا بَلْ أحْيَاءٌ عِندَ رِبهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران 169 و071).

كلّ آياتِ القتالِ التي ذُكِرَتْ في القرآنِ الكريمِ، لم تكن تعني الأمر بقتل الناس ظلمًا وعدوانًا، ولكنها تعتبر تعليماتٍ قتاليةً دفاعية في مواجهة الأعداء، في حالة الاعتداء على المسالمين وأسلوبًا في طريقة التعامل وقت القتال، فالله سبحانه وضع قاعدة القتال في سبيل الله بقوله تعالى ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190)، ومن يريد أن يقاتلَ في سبيل الله ويطبق ما عاهد الله عليه بالتقيد بمنهـج الله سبحانه، فعليه الالتزامُ بأمرِ اللهِ في القتال في سبيله، كما ذكرتها الآيةُ أعلاه، وتأكيدًا لتلك التعليمات قالَ تعالى (لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ) (8) (إِنَّما يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلوكُم فِي الدّينِ وَأخرَجوكُم مِن دِيارِكُم وَظاهَروا عَلىٰ إِخراجِكُم أن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأولٰئِكَ هُمُ الظّالِمونَ) (الممتحنة 9)، لقد وضع الله للناس قاعدة للعدل وحدّد لهم دواعي القتال، أساسها الدفاع عن الأوطان وحماية الحقوق وردع الظالمين، ومن يتوانى عن الدفاع عن دياره وحقوقه ويستسلم للمعتدين خوفًا أو ممالأة والتعاون معهم بعدما اعتدوا عليه وأخرجوه من دياره ظلمًا وعدوانًا ولم يقاومهم ويردّ عدوانهم، فيصبح هو من الظالمين لأنه عصى أمر الله وما جاء في الآية المذكورة أعلاه.

لذلك فالله سبحانَه رحيم بعباده، يريد لهم الخير والسلامة وتقليل الخسائر بيـن الطرفيـن، حينما وضع قاعدة السلام في الآية السابقة، كما أنّ الله سبحانه وضع قواعد للأسرى وكيفية التعامل معهم على أرقى القيمَ الإنسانية.

وكيفيّة معاملةِ الأسرى بأن يتم إطلاق سراحهم بالفدية أو دون مقابل عند انتهاء الحرب، وهذه القاعدة تفوق وتسبق معاهدة جنيف الدولية.

ويبيّن لنا الخطابُ الإلهي في القرآن الكريم قاعدة أخرى تعزّز قيم الإسلام واحترام حقوق الإنسان والتعامل معه برفق في حال طلب المساعدة بقَوله تعالى: ﴿وَإِن أحَدٌ مِنَ المشُرِكينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾ (التوبة 6).

إنّ المجرمينَ الَّذِين يعتدونَ على النّاسِ ويستبيحونَ أرضَهم وينهبون ثرواتِهم ويقتلونَ الأبرياءَ باسمِ الإسلام، والإسلام بريءٌ منهم سيكون جزاؤهم جهنمَ وبئسَ المصيرِ عملًا بقوله تعالى: ﴿الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا﴾ ﴿أولـئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رِبّهِم وَلِقائِهِ فَحَبِطَت أعمالُهُم فَلا نُقيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزنًا ﴾﴿ذلِكَ جَزاؤُهُم جَهَنَّمُ بِما كَفَروا وَاتَّخَذوا آياتي وَرُسُلي هُزُوًا﴾ (الكهف 106 ــــ 104) إن وعد الله حق فذلك ما ينتظر الفرق الإجرامية حين ارتكبت جريمتين شنيعتين إحداهما الافتراء على الله ورسوله بروايات كاذبة لتشويه الإسلام وتوظيفه في خدمة مآربهم الإجرامية وعقابهم عند الله عظيم، والجريمة الثانية قتل النفس البريئة التي حرم الله واستباحتهم لأموال الناس وأكل أموالهم بالباطل فقد حذرهم الله بقوله: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (المائدة 33).

 

المصدر:

«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى