وثبة خارج الجاذبية العربية (1-3)
إن تحول البشر من الخطاب الإلهي إلى الخطاب الديني يكاد يكون سنة ثابتة في الأديان

- الطمع في رحمة الله ! - 2 مارس، 2023
- قضية هجر القرآن في «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» - 24 ديسمبر، 2022
- مؤامرة تدوين السنة - 1 يوليو، 2019
في كتابه القيم [المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي] استطاع الأستاذ/ علي محمد الشرفاء الحمادي أن يناقش قضية من أخطر القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي، وهي قضية هجر القرآن الكريم [الخطاب الإلهي] واستبداله بالخطاب الديني الذي يتكون من الصحيح المعقول، والثابت المنقول، وما أضيف إليها من أقوال وأفعال تصب في خدمة أعداء الإسلام، وجبابرة الحكام، وشراذم بعض الداخلين في الإسلام، خضوعًا، ولم تصف قلوبهم له، لا فهمًا، ولا عملًا، يضاف إلي ذلك خلق صيغ تهمُّ العوام من المسلمين، ويرضون عنها، ولا يرفضونها ــ أي القيام بعمل موائمة، وملائمة تناسبان الواقع، ولا تتصلان بالدين إلا بخيط وهمي لا علاقة له بالخطاب الإلهي ــ ومن هنا فإن هذا الكتاب يقاوم التحوير، والتزوير، الذي طرأ علي الخطاب الديني في الإسلام، وعلى مجمل الثقافة الإسلامية، وهذا ما سبب للأمة طريق انحدارها واندحارها وارتكاسها، واندثارها فيما بعد، وفنائها في المستقبل المنظور.
إن تحول البشر من الخطاب الإلهي إلى الخطاب الديني، يكاد يكون سنة ثابتة في الأديان، فاليهود تحولوا من التوراة بأسفارها الخمسة الموجودة في التوراة السامرية، والعبرانية بعد ما قام عزرا بعملية توفيق لهما مع الواقع، ثم أضاف العبرانيون بعد عزار (32) اثنان وثلاثون صفرا للتوراة العبرانية، وأدخلوا فيها التاريخ والآداب والحكم الخاصة بهم، ثم أدخلوا أطماعهم في العالم ورغبتهم في السيطرة، وبعد ذلك بقرون كثيرة وجدوا أن ما صنعوه بالتوراة لا يتواكب مع أطماعهم، فقاموا بتأليف [المنشأة] و[الجيمارا]، وبعد ذلك بقرون وجدوا أن ما فعلوه بالمنشأة والجيمارا ليس كافيًا لهم، فقاموا بعمل التلمود ليناسب واقعهم وأطماعهم في الحياة، وحتى هذا التلمود الملفق لم يسلم لهم هذا التلمود الذي كتبوه بأيديهم، قاموا بعمل بروتوكولات حكماء صهيون، وبعد كل ذلك أصبحت التوراة عندهم للتبرك واستدعاء التاريخ الذين قاموا بتحريفه بأيديهم.
وبالنسبة للمسيحية فقد قام بعضهم بهجر الأناجيل، التي فيها صدى كلام سيدنا عيسى في موعظة الجميل، وظلوا سنوات حتى جاءهم القديس بولس، وجدد مفاهيم المسيحية وقربها من كثير من الأديان ووضع لها أشكالًا جديدة، حتى أصبح بولس أقوى من الرسول عيسى عليه السلام، وفي كتاب “الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله” وضع “مايكل هارت” مؤلف الكتاب، وهو مسيحي وضع القديس بولس في ترتيب الذين أثروا في العالم رقم ثلاثة، بينما وضع عيسى بن مريم رقم ثلاثة عشر، ومن يومها تم هجر الإنجيل برواياته الأربع، والاتجاه إلى تعاليم القديس بولس، وهذا مشاهد في واقع والأناجيل مملوءة بالرحمة والبر والتسامح، ولكن ما تفعله دول الغرب المسيحية الآن من قبل وتدمير وفتن بالليل والنهار لا يدل علي أنهم يعرفون الأناجيل ولا قرأوا عنها مرة واحدة، هذه القسوة ليست نابعة من الأناجيل كما نعرفها، إنما هي صيغة للواقع الذي تتحكم فيه الشهوات، والسيطرة، وسرقة أرزاق، ومقدرات الشعوب.
أما المسلمون: فقد عاشوا بالخطاب الإلهي، ما يقرب من ثلاثة قرون مع وجود تباينات في الرؤى، واختلاف في الفهم والتأثير بالمنهج الإلهي، إلا أنهم في هذه الفترة سيطروا على العالم أجمع ونشروا مبادئ الخير والسلام، ونشروا مبادئ الطب، والعلم التجريبي في كل مكان وكانوا ــ بحق ــ خير أمة أخرجت للناس.
ومع نهاية القرن الثالث الهجري حدثت تغيرات جذرية، منها ما هو دخيل على أصل الثقافة الإسلامية، مثل كثرة الأحاديث وانشغال الأمة، ومن هذه الأحاديث على الإطلاق، وقد بذل العلماء جهدًا كبيرًا في عزلة عن الصحيح، ورصدوا (600) ستمائة ألف حديث في هذا الشأن، إلا أنه تسرب منه الكثير مع الزمن إلى كتب الأحاديث الصحيحة، ومع ذلك فالأحاديث بكل أنواعها ليست قرآنًا ولن تكون، وإن كانت هناك شرذمة في كل عصر تحاول رد وهجر القرآن بهذه الأحاديث.
إن هجر القرآن خطر عظيم على أمة المسلمين، في الأخلاق والأمن والاقتصاد، والعلم، والبحث العلمي، والطعام، والماء، وكل ما يجعل الإنسان يعيش بقيمة يدركها العدو، والصديق.
إننا في مفترق طريق حضاري لا يوجد غيره، إما أن نعود إلى الخطاب الإلهي الموجود في القرآن، وإما أن نغادر الحياة، ونفارق الحضارة، حتى لو كنا نعيش حياة حيوانية نأكل كما تأكل الأنعام، ونشرب كما تشرب الأنعام، والنار مثوًى لنا.
وما نراه في واقع المسلمين من تشرذم وتفرق وهزائم لا حصر لها، وقتل المسلم للمسلم بغير حق، ونقل ثروات المسلمين إلى أعداء الإسلام، وشراء سلاح بهذه الأموال، لتدمير بلاد إسلامية أخرى، واليمن وسوريا أكبر دليل على ذلك، كل هذا هو صدى لهجر القرآن، وهجر الخطاب الإلهي.