طاقة نور

وثبة خارج الجاذبية العربية (3-3)

اختزال أركان الإسلام في العبادات فقط أدى إلى إيجاد البيئة الحاضنة للتردي السلوكي

ويصور الأستاذ علي الشرفاء الخرافات المتعمدة التي تدور حول الحسين بقوله عند زيارة قبر الحسين: [لك بكل قدم رفعتها أو وضعتها، كثواب المتشحط بدمه في سبيل الله. فإذا سلمت على القبر فالتمسه بيدك، وقل السلام عليك يا حجة الله في سمائه وأرضه، ثم تمضي إلى صلاتك ولك بكل ركعة ركعتها عنده، كثواب من حج واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل، فإذا انقلبت عند قبر الحسين…] صــــ 46، يلاحظ أن كل ما جاء في تمجيد زيارة قبر الحسين لم يرو أبدًا عن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها الأهواء السياسية، والخلفيات الحضارية التي صنعت نوعًا من الهوس والجنون عند العامة والدهماء والسابلة.

إن البعد عن المنهج الإلهي، والخطاب الإلهي كان ولا يزال كارثة حاقت بالمسلمين وفي هذا الإطار يرى الأستاذ/ علي الشرفاء: [إن دوافع السياسة، والتمييز، وخلق طوائف متعددة، كل طائفة تستند إلى مرجعية، هذه المرجعية ابتدعت روايات ما أنزل الله بها من سلطان، واختلقت أخبارًا، وأحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، من أجل أن يجعلوها قاعدة لبناء فكر ودين خاص لكل منهم، يختلف عن الطائفة الأخرى، مما أدى إلى تفرق المسلمين شيعًا، وأحزابًا] صــ61.

هذا الرأي للأستاذ علي الشرفاء من الآراء المستنيرة التي يندر أن يقول بها غيره من المثقفين المسلمين، ولقد ناديت كثيرًا وقلت: إن الأمة الإسلامية ليست أمة سنية، ولا شيعية، إنما هي أمة القرآن، ولكن الأغراض السياسية كما يقول الأستاذ علي الشرفاء أطاحت بهذا الشعار واستبدلته بشعارات التقسيم والتفرق.

القرآن الحي:

من المواقف المؤثرة، والمهمة التي وقف عندها المؤلف هو حياة القرآن واستمراريته لنهاية الحياة، فالقرآن الكريم ليس شيئًا قديمًا يصح لنا أن نستبدله بأفكار حديثة، فكل فكر بشري يكون رهين وقته، ومتسق مع زمانه، أما دستور الحياة الإلهي فهو فاعل وشامل حتى قيام الساعة، ويرى الأستاذ علي الشرفاء، أن القرآن الكريم هو الذي يدفعنا لخلافة الله في الأرض، وبناء الحضارة الإسلامية الإنسانية المتقدمة، والمتطورة، والانطلاق للتأثير في العالم تأثيرًا تكون خلفيته العدل والخير والسلام. وأننا يمكن أن نجذب العالم إلينا، وإلى ديننا بالتقدم العلمي المبني على الإيمان. وفي ذلك يقول المؤلف: [فعلى المسلمين أن يستعيدوا القيم القرآنية النبيلة، ليشاركوا الإنسانية جمعاء، بالنهوض في بناء مجتمع الفضيلة والتطور الحضاري، حماية لحقوق الإنسان في الحياة، والحرية، وحق السعي للرزق، والعيش الكريم] صــ93.

وهو يرى بعد ذلك أن اختزال أركان الإسلام في العبادات فقط، أدى إلى شيوع الغش، والسرقة، والاقتتال بين المسلمين، والبيئة الحاضنة للتردي السلوكي. والحقيقة أن المؤلف يرى أن أركان الإسلام يجب أن تشمل التوجيهات الرئيسية في القرآن الكريم، مثل الخلافة والعمران والأمانة والمسئولية المجتمعية ومسئولية الفرد نحو الأمة والإنسانية.

وفي إطار الروايات التي شغلت المسلمون عن القرآن الكريم يقول الأستاذ علي الشرفاء: [روايات استحدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من قرنين من الزمان، منسوبة للصحابة وأهل بيته بالرغم مما فيها من تناقضت مع كتاب الله، لا تتفق مع المنطق والعقل، والله سبحانه يخاطب العقول المبصرة ليتدبروا آياته ويهتدوا إلى طريق النور الذي أنزله الله على رسوله، ويل للذين جعلوا الخرافات والروايات في ديننا لغزًا معقدًا، بعيدًا عن رسالة الله في قرآنه للناس، مما ساعد كفار قريش، وأعداء الإسلام من أهل الكتاب على استرجاع طقوس الشرك، وممارسة الظلم، وهل من الصدفة أن تكون مصادر الروايات عن الأحاديث، مصدرها الرئيسي أفراد من العجم، تم تقديسهم وإعلاء مكانتهم، والتسويق لهم بكل الوسائل المتاحة ليكونوا مرجعيات وحيدة لرسالة الإسلام في العصور الماضية وحتى عصرنا الحاضر] صــ125.

إن من يقرأ لكلمات الأستاذ علي الشرفاء يظن أن له موقفًا قاطعًا من السنة، وهو في الحقيقة لا يرفض السنة، ولكن لا يجعلها مرجعًا ممكن أن يعارض القرآن، خاصة أن بعض المجانين وضعوا في السنة مبادئ منها جواز نسخ القرآن بالسنة وهذا لم يكن ليقوله أبو جهل، وأبو لهب وغيرهم، ولكنه ساغ واستسيغ عند بعض المجانين، وإن رأي الأستاذ علي الشرفاء ليس في السنة على الإطلاق، ولكنه في السنة التي تعارض القرآن، والذي يدل علي ذلك هو أنه عمل مقارنة لبعض الروايات التي تعارض القرآن وبين أوجه اختلافها، وأسباب رفضها وذلك من صــ181: صــ 201، ومن هنا تتضح نظرته للسنة لكي لا يظلمه أحد.

إن هذا الرجل الأستاذ علي الشرفاء يكمن سره وسر كتابه المسلمون بين الخطاب الديني، والخطاب الإلهي في أنه استطاع أن يقفز من فوق أسوار سجن العقل العربي، ويرى في رسالة الإسلام فجرها المضيء وظهيرتها الضبابية، وأمسها الحالك السواد، ووضع يده على العلاج الناجح، وهو العودة إلى القرآن الكريم مصدرًا وحيدًا للخطاب الإلهي.

إن هذا الرجل يؤسس بفكره لمدرسة فكرية جديدة تقوم على الخطاب الإلهي لتصلح به شأن الدنيا والآخرة. ولكن هل سيغير هذا فكر العلماء المعاصرين، والذين تربوا على الحفظ والتلقين ــ دون تمحيص ــ وقدسوا الروايات الباطلة، والخرافات المسيطرة.

ليكن عزائي وعزاؤه قول ابن الفارض:

 ما بين ضال المنحنى وظلاله            ضلَّ المتيم واهتدى بضلاله

فكثير من هؤلاء العلماء الذين يتربعون على عرش المؤسسات الإسلامية ضلوا، والكارثة أنهم اهتدوا بضلالهم.

ولعل الخير كله في التفكير في كلمات الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، ولكن إن لم يحدث هذا فيكفيه أنه فتح نفقًا مظلمًا وأثاره وهو قائم عليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى