تحت عنوان (مسألة سد النهضة) كتب د. عبدالمنعم سعيد، مقاله المنشور في جريدة «المصري اليوم»، حول إدارة أزمة سد النهضة من جانب الدولة المصرية والجدل الدائر بشأن تعرض مصالح مصر للخطر.
استهل الكاتب مقاله بالتأكيد على أن مسألة سد النهضة الإثيوبى أصبحت موضوعًا للجدل السياسى العام بشكل يعرض المصالح المصرية للضرر. وفى التاريخ المصرى خلال العقد الماضى جرَت معالجة الأمر من خلال زاويتين: الأولى قام بها الرئيس محمد مرسى حينما جمع مستشاريه والخبراء من جماعة الإخوان المسلمين ومَن والاهم لكى ينظروا فى الأمر أمام كاميرات التليفزيون.
وأضاف: كان المشهد مهزلة كبرى فى إدارة أخطر مسألة تهدد أمن الدولة عندما تبارَى المجتمعون فى رسم الخطط العسكرية لتدمير السد. لم يكن فى الأمر أى قدر من الجدية، ولا الفاعلية فى توجيه تهديدات صريحة بالقيام بهجمات عسكرية على السد الإثيوبى. كان فى المشهد نوع من الدراما الكوميدية، التى كان لها ثمن فادح على المستويين الدولى والإفريقى، وبالطبع فيما يخص العلاقات المصرية الإثيوبية.
والثانية ما قامت به مصر منذ تولى الرئيس السيسى السلطة السياسية عندما تحرك فى استراتيجية متكاملة تبدأ بزيادة القدرات الشاملة للدولة المصرية، وكسر الحواجز التى قامت بين مصر والدول الإفريقية منذ محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك، وطرح مسار تفاوضى بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم للتعامل مع موضوع السد.
وأوضح أن الانتصار الثالث أن القضية الأولى الخلافية بين مصر وإثيوبيا كانت إصرار أديس أبابا على أن يكون ملء خزان السد خلال فترة لا تزيد على ثلاث سنوات، بينما كانت القاهرة مصممة على أن يكون الملء خلال سبع سنوات، وهو ما حصلت عليه وزيادة، حيث امتلأت بحيرة السد العالى، وفاضت بخيرها على الخزان الإضافى فى توشكى. كان هناك فضل للطبيعة فى ذلك، حيث كان فيضان السنوات عاليًا، لكن كان هناك فضل آخر يتمثل فيما قامت به الإدارة المصرية من إدارة الثروة المائية المصرية بحيث لا تقتصر فقط على مياه النيل.
وأشار الكاتب إلى أن هذه السنوات كانت فرصة لمصر لإعادة بناء بنيتها الأساسية بسرعات غير مسبوقة، وتوسيع العمران المصرى، الذى يسد الفجوة بين الجغرافيا والديموغرافيا المصرية، التى زادت خلال السنوات العشر الماضية بما مقداره ٢٠ مليون مصرى، أُضيف إليهم ١٥ مليونًا من اللاجئين، بعضهم من إثيوبيا. على الجانب الآخر فإن ما حاولت أن تُلحقه الإدارة الإثيوبية بمصر من أذى انقلب عليها، فكانت محاولات للانقلاب، وبعدها حرب أهلية بين الحكومة المركزية وإقليم التيجراى، وحاليًا فإن هناك حربًا أهلية أخرى مع إقليم الأمهرة. الملء الرابع لخزان السد الإثيوبى بعد سبع سنوات أنهى ما تستطيع به القيادة الإثيوبية الضغط على مصر، فليس أمامها إلا أن تترك المياه تعبر من أجل تشغيل توربينات توليد الكهرباء، وتمر إلى السودان ومصر.
وفي ختام مقاله يقول: الآن، وبعد الإنجازات التى تقوم بها مصر فى سياستها المائية والزراعية، فإنها تعود بنا إلى النقطة التى نُدير بها هذا الموضوع الحساس، الذى يستوجب المسؤولية الوطنية الكاملة. الحديث عن إعلان المبادئ كما لو كان معاهدة دولية فيه الكثير من المبالغة وإعطاء إثيوبيا هدية لا تستحقها. والأخطر أن الحديث عن إعلان الحرب على إثيوبيا وكل مَن يناصرها نوع من اللامسؤولية الوطنية، التى تعود بنا إلى أجواء الرئيس محمد مرسى والدفع بمصر بعيدًا عن مسيرتها البنائية لدولة قوية وعنيدة. كل ما بعد ذلك يكون لكل حادث به حديث، وحديث المقاهى لا يصلح فى بلد يحتفل بمرور خمسين عامًا على نصر أكتوبر!