مكانة العقل في القرآن الكريم
الإسلام عظَّم التفكُر لفهم الخِطاب الإلهي وبناء الأُمم والحضارات

العقل منْ أعظم النِعم التي منَّ الله بها على الإنسان، بل وجَعَله مَيزَة ينفَرِد بها الإنسان عنْ سائر خَلْقه، فوَهَبه نِعمَة العقل ليتَدَبر في ملكوت الله.
و تعدَّدت آيات القرآن الكريم، التي تحدَّثت عنْ أهمية العقل والتفكُر والتّعقُل، فَبه يَفهَم الإنسان المقصود من الخِطاب الإلهي وبه تتقَدم أو تتخَلف الأُمَّم.
كما جَعَل الشارِع الحكيم العقل أساس التكليف ومَناط الحِساب، فلا إثم ولا حَرَج على المجنون، ليس هذا فحَسْب بل إنَّ الله أسْقَطَ عن المجنون الحِساب والعِقاب يوم القيامة.
كما حرَّم الله العَديد من الأشياء التي تُؤثر سَلْباً على سلامة العقل وفي مُقدِمَتها المُخدرات والمُسْكِرات، باعتبارها تُخَمِر العقل وتُغَيّبه وتُعَطِله عنْ وظيفته.
العقل في القرآن الكريم
يقول الدكتور (مختار مرزوق)، عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقًا، إنَّ للعقل مكانة عظيمة في القرآن وبه فُضِّل الإنسان عنْ باقي المخلوقات.
ويتجلى ذلك في قول الله تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء: 70).
وذكر أنَّ الله مدَح أصحاب العُقول السَليمة فقال تعالى «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (البقرة: 164).
وأوضح أنَّ «أُولِي الألباب» هم الأذكياء الذين يُدرِكون الأشياء بحقيقَتها ويعرِفون الحلال من الحرام والحَق من الباطِل.
وذمَّ سبحانه وتعالى أصحاب العُقول التي تستخدمها في الشِرك والكُفر والنِفاق، فقال «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (الأنفال: 22).
وذَكَر أنَّ الله جَعَل أصحابَ العُقول الفاسِدة منْ أهل جَهنم يوم القيامة، فقال تعالى «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ» (الأعراف: 179).
العقل وبِناء الأُمم والحضارات
وفي نَفْس السِياق يقول الدكتور (أسامة الأزهري)، مُستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، إنَّ العقل له مَنزِلة سامية في الشَرْع الشَريف.
وأوضَح «الأزهري» أنَّ الذي يقرأ القرآن ببَصيرة يَجِد أنَّ هُناك المئات من الدلائل والبراهين التي تجذبه وتدعوه للعمل والفِكر.
وأضاف أنَّ القرآن يدعو للتَعقُل في خَلْق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفُلك التي تُبحرِ وإنزال الماء من السماء والكَون بأكمله.
وأكدَّ أنَّ آيات القرآن تدعو بقوة لتعظِيمه وتشغِيله وتنويره ليقوم بواجِب الفِكر وليَهتدي بأنوار الذِكر، فجَعَل الله له هِدايتين «الذِكر والفِكر».
كما أنَّ الله حَمَى العقول من كل ما يُغيّبها أو يُشَوشها أو يُربِكُها، فنهى نهيًا جازِمًا عن الخَمْر والمُسْكِرات والحَشيش والحُبوب التي تُغَيِّب العُقول عن الوَعي والفِكْر.
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90).
وأكدَّ أنَّه إذا إبتُليَت أُمَّة بِعُقول مُشَوَشة ومُغَيَّبة ستتَخَلَف عنْ رَكْب الحَضارة وتَظَل في الجَهل والشّائعات لتسير خارِج نِطاق التاريخ.
وأشار إلى أنَّه بعد حِفْظ العُقول يأتي مُستوى البِناء، وأخَذَ الشَرْع على عاتقِه أنْ يجذبها إلى النَظَر والإستدلال والبراهين والفِكْر والعِلْم والإبداع.
ودعا إلى تنويرها وتعليمها الفِكْر ومَحو الأُمية ونَشْر رُوح القراءة لننَتقِل إلى تَشْجيع المُبدِعين وإكتِشاف المواهِب وأنْ يكون العَمَل العِلمي العَقلي في مُنتهى الشّرَف والرِفْعَة.