مكانة العقل في مُحكم التنزيل
آيات قرآنية متعددة تطرح هذا السؤال الاستنكاري: " أفلا تعقلون "

تحدثنا سابقًا عن القلب واحتوائه للعقل والفؤاد وكيف أنه هو القائد لهما حيث يمتزجان داخله فيخرج لنا السلوك وأنه مركز الكفر والإيمان، وكذلك الفؤاد والذي يُعتبر محركًا للعواطف ومتعلقًا بالحواس.
فالعقل الذي نقصده هو ليس الدماغ بما يحتوي من شبكات عصبية تترجم أوامر النفس بما تحمله من مشاعر وأحاسيس فترسل إشاراتها العصبية لتحريك الأعضاء، فالجهاز العصبي ليس له قدرة اتخاذ قرار هو فقط يترجم القرار الذي يُتخذ في القلب.
العقل هو الفطرة السليمة
وإذا أردنا أن نتحدث عن العقل فيجب أن نعرف أولًا ما هو العقل وما هي وظيفته من خلال الفهم الصائب للمواضع التي ذُكر فيها في آيات القرآن الكريم.
قال تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (البقرة:44).
العقل هو الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وفي أكثر من موضع في القرآن يُحتج به لمعرفة الله تعالى ودلائل قدرته فدائمًا تطرح آيات الكتاب الحكيم ذلك السؤال الاستنكاري : « أَفَلَا تَعْقِلُونَ ».
على أساس أن العقل يتعامل مع الحقائق مجردة خالية من العواطف التي مقرّها الفؤاد.
فيحاول أن يستعلي عليه بما أوتي من حقائق فيوجّه القلب للسلوك والاعتقاد القويم.
قال تعالى:
«فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (البقرة:73).
فقيام الميت بالمعجزة الإلهية بمجرد ضربه يجعل العقل ينشط ويستعلي داخل القلب بما رآه من حقيقة ملموسة فيدفعه إلى الإيمان بآيات الله.
وكذلك في قوله تعالى:
«وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (المؤمنون:80).
أما إذا ترك العقل الفرصة للفؤاد أن يستعلي عليه فقد يقوده إلى الكفر ويحدث الندم على الفعل كما جاء في الكتاب الحكيم حيث قال تعالى:
«وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ» (الملك:10).
متى يفقد القلب صفته الإنسانية
وعندما نتأمل آيات القرآن نجد التفريق بين الإنسان والدواب في استخدام العقل وتحكّمه في السلوك حيث نجد أن الدواب ليس لها في القلب ذلك العقل المسيطر على الشهوات والأحاسيس بل نجد فقط الفؤاد، فهي تخضع فقط لحواسها وتسير خلف شهواتها، قال تعالى:
«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (الفرقان:44).
وقال: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» (الأنفال:22).
تحكيم العقل في فهم آيات القرآن الكريم
من خلال هذا الفهم لا يمكن أن يوضع العقل موضع النقيض من العقائد بل على العكس فإن العقل هو أساس الإيمان بها، والعقائد والشراع ليست منافية للعقل كما يزعم الملحدين إنما هي منافية لأهوائهم وشهواتهم.
وكذلك لانهمل العقل واستخدامه في التدبر لآيات القرآن ولا ننساق لروايات تُناقض العقل بل والعقيدة نفسها لمجرد تواترها على مدى عصور والخوف من تحكيم العقل في تصويبها والذي هو بالأساس لم يرِد ذكره من الله تعالى في القرآن إلا لذلك، قال تعالى:
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (البقرة:170).
وبهذا نكون ألقينا الضوء بشكل مختصر على ثلاث مفردات قد يستعصى على البعض فهمها بشكل صحيح، ويساعد فهم الفروق الدقيقة بينها على فهمٍ صحيحٍ لآيات القرآن والمراد منها.