- كلمات من القلب - 1 فبراير، 2021
- كتاب وذكر وفرقان - 16 يوليو، 2019
- القرآن.. صياغة ربانية مباشرة - 1 يوليو، 2019
أُُثيرت في مصر الحبيبة وعدد من الدول العربية مسألة العبيد ومِلك اليَمين، وذلك بسبب حادثة شخصيّة، مُلخصها أنّه تمّ في مصر عقد قران مِلك يَمين، بناء على فهم بعضهم لما أُطّر فقهيّاً في مسألة مِلك اليَمين التي حُسبت – وللأسف – على الإسلام..
وانتشر الأمر في وسائل الإعلام، وطُرحت عدّة آراء، وانتقد الكثيرون ما حصل في هذه الحادثة الخاصّة..
ولم يتجرَّأ أحدٌ ليقف ويقول: جذر المُشكلة يكمُن في موروثنا الفقهي والتفسيري لهذه المسألة، والذي يحمل أحكاماً ينقُضها كتاب الله تعالى والعقل والمنطِق، ممّا يُعطي أصحاب الشهوات حيثيّات التلاعُب بالأعراض والقيّم النبيلة..
وفي هذا المقال لا أود الوقوف عِند جُزئيات هذه الحادثة، فالأمر في حقيقتِه أهم منْ كَونه حادثة جُزئية شخصيّة، لأنَّ المفهوم التاريخي لمِلك اليَمين الذي تمَّ وِفقه العقد في هذه الحادثة وفي غيرها، هو في أصلِه (كما أُطَّر فقهيّاً) مفهوم باطل، ولا علاقة له بمنهج كتاب الله تعالى لا منْ قريب ولا منْ بعيد..
أكاذيب مِلك اليَمين في الفقه الموروث
ما أريد الوقوف عِندَه، هو مسألة العَبيد ومِلك اليَمين كمسألة تمَّ تأطيرها في فِقهنا الموروث..
وكيف أنَّ أحكام هذه المسألة (كما ينقِل التاريخ ) مُنذ الجيل الأول وما تبِعه من أجيال هي خُروج فاضِح على دلالات كتاب الله تعالى، وينقُضها كتاب الله تعالى من أساسها..
في فقهنا وتفاسيرنا، قالوا: تُسبى النِساء في الحروب، ويَتَحولن إلى مِلك يَمين يتم وطؤهنَ دونَ عقد نِكاح على الرغم من أُنوفِهنَ، حتى المُتزوجات منهن، ويتم بيعِهن وشِراؤهن كالحيوانات، وبإستطاعة مالكهن أنْ يبيع وطأهن لغيرِه، مع بقاء خدمتِهن للمالك، وما يلدنَ من غير المالِك هم عبيد للمالك، ذكوراً كانوا أم إناثاً.
ووضعوا تشريعات خاصةً لهذه المسألة، بحيث يستطيع الرجُل أنْ يطأ العدد الذي يُريد من النِساء تحت مِظلة مِلك اليَمين، وبحيث يخرُج من يزني بمِلك يَمين عن أحكام الزنى التي شرّعها الله تعالى في كتابه الكريم، وبالتالي يُستثنى – بذلك – مِلك اليَمين من الأحكام التي يحملها كتاب الله تعالى القرآن الكريم..
وذهبوا إلى أنَّ عَورة المملوكة تختلف عنْ عَورة الحُرة، فعَورة المملوكة (عندهم) أشبه بعورة الرجُل (من السُره إلى الرُكبة)، ووضعوا أحكاماً في ذلك لا يقبلُها عقل ولا تستَسيغُها فِطرة نقيّه لأي إنسان مهما كان مُعتقده.
والمسألة التي تضع العقلَ في الكف، هي أنَّ دخُول هؤلاء المملوكين (ذكُوراً كانوا أم إناثاً) في الدين الإسلامي بعد سبيهم، لا يُخرجهم من إطار الانصِياع للأحكام الظالمة، التي تمّ تلبيسُها وافتراؤها على منهج الله تعالى.. فحتى الدين الإسلامي ذاتُه – حَسَب التشريعات الوضعية الخاصه بالعبيد ومِلك اليَمين – لا يحمي أعراضَهم، ولا يصون كرامتَهم، ولا يحفظ أموالَهم..
الخِطاب الإلهي بريء من العبُودية ومِلك اليَمين
باختصارٍ شديد.. العبيد ومِلك اليَمين من مِنظار التشريعات الوضعيه التي لبست ظُلماً على الإسلام هم خارج إطار الإنسانيه، وخارج إطار أحكام كتاب الله تعالى.. وإن قال قائِل: ما فائدة البحث في هذه المسائِل، في زمنٍ تلاشت فيه، ولم يعُد هُناك عبيد ومِلك يَمين؟..
وما هي فائدة هذا البحث بعد قُرون عديدة من التأطير الفقهي لهذه المسائل؟..
وما هو العُمق الذي من المُمكن أنْ نُضيفه لفكرِنا الإسلامي عبْر إعادة بحث هذه المسائل؟..
ونقول: إنَّ القرآن الكريم بكلِّ عبارة فيه ليس مؤطَّراً في سِجن التاريخ والزمان والمكان، وإننا نرى في أي عبارة قُرآنية إسقاطات تمتد في كلِّ زمان ومكان وحتى لو سلّمنا – جدلاً – للمِنظار التاريخي الذي ينظر منه عابدو أصنام التاريخ لكتاب الله تعالى.
فنحن تُعنينا تبرئة القرآن الكريم مما أُلصق به من تفاسير ظالمة لا يحملها، لا منْ قريب ولا منْ بعيد، لأننا نؤمن أنَّ قُدسيه القرآن الكريم وصلاحيةَ أحكامه، فوق التاريخ، وأنَّ القرآن الكريم فى قُديسته وحكمهً وعدلهً لا يختلف ماضِيه عن حاضره وعن مستقبله..
فهذه النصوص القرآنيه التي يتوهمها عابدو أصنام التاريخ ضمن إطار أحداث منتهية، نقرؤها في كلِّ زمان ومكان، وتدبرنا لها في كلِّ زمان ومكان، هو عبادةٌ يأمرنا الله تعالى.. ونحن نؤمن أنَّ أحكام هذه النصوص القرآنيه لها إسقاطا في كلِّ زمان ومكان
مِلك اليَمين .. ليس تصريحًا بالزنى
مِلك اليَمين لا يعنى أبداً مِلك الوطئ، دون عقد نِكاح شرعى حيثُ أنهم زعموا أنَّ المملوكه يتم وطؤها دون عقد نكاح.. فيقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)) (الأحزاب)
والنكاح هو العقد فقط بدليل (قَبلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) التى وردت ضمن سياق الآيه وهذا دليله على أن كلمة نكاح لا تعنى الوطئ..
أما الدليل الثانى ففى قول الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)) (النساء).
وهنا نرى عباره لها معناها الواضح وضوح الشمس، والتى تقول: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهى توضح أن العقد يحب أن يكون بإذن أهلهن وأن يتم دفع المهر كاملا وبالمعروف..
وبناء عليه، كيف يُمكن لمسلم مؤمن، عاقل، يتدبر آيات الله كما أمره، يُصر على أنَّه يمكنه نِكاح (زواج) ووطئ (الدخول بها) دون إذن أهلها وذلك فقط من أجل موروث، وأخطاء الأقدمين بتفسيراتهم وتبريراتهم الشيطانيه من أجل مُتعه جنسيه بحته، له، ولولاة الأمر..
سَبي البَشر في الحروب لا وجودَ له في القرآن الكريم
وهناك دليل آخر، من كتاب الله المُنزَّل.. فيقول تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)) (النساء)
أليس توريث الإماء والعبيد من شريعتهم، فإذا كانت الأمه ضمنَ ميراث الإبن كيف له أن ينكِح منْ وطئ أبوه من قبل، أليس هذا مُخالف لما أمرَ به اللهُ.. ولكنهم يستكبرون امام الحق المُبين.
وهناك مُقدمة أُخرى تمَّ الإنطلاق منها في الفقه الموروث والتفسير الموروث، وهي حق السبي في الحروب، والإتيان بالرجال والنساء والأطفال سبايا وتحويلهم إلى عَبيد ومِلك يَمين.. فمسألة سبي البَشر في الحروب وتحويلهم إلى رِق، ووطء نِسائهم دون عقد نكاح، لا وجود لها – على الإطلاق – في القرآن الكريم.. والآية التالية تؤكّد هذه الحقيقة.
يقول الله عز وجل: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَاۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)) (محمد)
الله يقول (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً )).. هذه عاقبة الأسرى فمن أين أتيتُم بالسبى الذى تتهمون به دين َالله.
هذا مُلخص للموضوع ويُوضح أنَّ مِلك اليَمين والسبى والعَبيد، ما هى إلا موروثات مُلوثه ورثناها كابِر عنْ كابِر من الذين من قبلِنا دونَ وعى منَّا ودونَ نِقاش مُستنير ومُتحضِر فى دلالات كلماتِ اللهِ للبَشَر أجمعين..
المصدر:
منقول بتصرف من مقال «مهزلة أحكام العبيد ومِلك اليَمين»، المنشور بالموقع الرسمي للمهندس عدنان الرفاعي.