هجر القرآن وتغييب العقل… الداء والدواء
«المسلمون بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني» يؤكد وجوب التركيز على النص القرآني

يعد كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» الصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير» من أهم الكتب في المكتبة العربية الحديثة، تناوله بالشرح والتحليل العديد من المفكرين والباحثين، ومنهم المستشار/ صالح شرف الدين، ناقد وباحث، عضو اتحاد كتاب مصر، نعرض في هذه السطور تأملاته للكتاب.
وجاء فيها..
هذا الكتاب الذي بين أيدينا: «المسلمون بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني» للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، يؤكد على حقيقة وجوب التركيز على النص القرآني فهمًا، وتنفيذًا لكل الأوامر التي وردت به، والانتهاء عن كل ما نهى عنه رب العزة في كتابه العزيز القرآن الكريم، وأن يكون المرجع الوحيد للتشريعات، التي ينصلح بها حال العباد والبلاد.
كتاب يثري المكتبة العربية الحديثة
-المنجز قيم يقع في حوالي ثلاثمائة صفحة، على الغلاف الأمامي صورة في الأعلى لكتاب يخرج منه النور وحوله نور يشبه نور الشمس المشرقة، وفي الأسفل ما يشبه الجحيم يحيط به السواد، وعلى الغلاف الخلفي صورة للكاتب، وخمسة وعشرون سطرًا توجز الهدف السامي للكتاب، ثم محتويات الكتاب، وآيات من القرآن الكريم، ورسم فيه مقارنة بين الخطابين الديني والإلهي بإيجاز.
-ثم تقديم من د حسن حماد أستاذ الفلسفة والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة الزقازيق، وقد أثنى حماد على الدراسة ووصفها بالشجاعة، وأنها تفتح الباب لدراسات جديدة تلقي أضواء أكثر على أهمية أن يكون النص المقدس الوحيد القرآن الكريم هو المرجع الوحيد لنا ونحن نشرع ونستنبط، ونؤسس لفقه يأخذ من المنبع مباشرة، ولا يعتمد على وجهات نظر تحدث ما نراه من مصائب في أغلب بلاد المسلمين.
إهداء الكتاب
-إهداء طويل لرئيس مصر، يوجز فيه الكاتب بحثه، ويثني فيها على ما نادى به الرئيس من وجوب تجديد للخطاب الديني، ثم مقدمة يركز فيها على كون البحث دعوة لكل مسلم عاقل، ليعمل ما وهبه الله إياه من عقل، في الفهم والعمل بمقتضى الفهم، دعوة لكل المثقفين والعلماء في كل مكان للبحث عن حلول تخرجنا من حالة القتال بين المسلمين وحالة التشرذم، وعدم تجمعهم على صعيد واحد من أكثر من أربعة عشر قرنًا، مما أدى إلى تخلف حضاري وإنساني لا يمكن لمخلص أن يسكت عليه، يطالب الجميع بالارتقاء فوق كل أنواع التعصب والتحزب، للبحث وإيجاد مفهوم واحد يتجمع حوله الجميع ومن مصدر واحد هو القرآن الكريم، ويضع أيدينا على سببين من أهم أسباب الفتن الظاهرة والباطنة، والتي لا يمكن القضاء عليها إلا بالعودة إلى القرآن الكريم، السبب الأول ما فعله ويفعله اليهود لنشر الإسرائيليات، وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير، والسبب الثاني ما فعله ويفعله المجوس، وقد نجحوا إلى حد كبير في إيجاد إسلام مواز، ويستشهد بعقيدتهم في تأليه الإمام الحسين وإسنادهم له كثير من الصفات المقصورة على الله، وأن زيارة قبره تدخل الجنة بلا حساب، وملايين من الأتباع تصدق ذلك.
– ثم يبين في عشرات الصفحات استغرقتها المقدمة التي تعد جزءًا أساسيًّا من أسس البحث – يبين كيف يكشف الخطاب الإلهي زيف الخطابات الدينية التي مزقت المسلمين إلى عشرات الفرق يكفر بعضها بعضًا، ويهدر بعضها دماء بعض، وترتكب من الفظائع ما يشيب لهولها الولدان، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، ويبين أننا أمام خيارين: النجاة بالعودة لكتاب الله، وجعله أساس تشريعاتنا، وأساس لكل حركة من حركاتنا في الحياة، وبذلك نحمي أنفسنا من كل الخلافات، أو البقاء على حالة التفرق والتنازع والتناحر، وما تؤدي إليه من نهب لثرواتنا، وضياع لأوطاننا، وإزهاق للأرواح البريئة.
فصول كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»
-ويلي المقدمة الطويلة خمسة عشر فصلًا تبدأ بالتكليف الإلهي، وتنتهي بالخلاصة، وسنتابع كل فصل من الفصول بإطلالة سريعة ثم رؤية لنا فيما نجحنا في تلقيه من هذا البحث:
-الفصل الأول: التكليف الإلهي: استشهد فيه بنصوص أكثر من ثلاثين آية تؤكد أن الرسالة الإلهية للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هي آيات القرآن الكريم التي يجب أن تصل إلى الناس، ولم يكلفه إلا بهذه الرسالة، وأن عليه أن يبلغها كما أوحيت له، وهي أمانة أؤتمن عليها وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يؤديها، فوصلتنا نصوص القرآن الكريم كاملة كما أوحيت للرسول صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص.
إن رسالة الإسلام للناس كافة في كل زمان ومكان، تهدي إلى الخير والصلاح، وتخرج من الظلمات إلى النور، وتنادي بنشر الحق والعدل والسلام، وهي مبادئ إنسانية لا يختلف حولها عاقلان، وإن الأخذ من المعين المقدس ينقلنا من التفرق إلى الوحدة، ومن التخلف إلى التقدم، ومن الضعف إلى القوة، وعلى جميع المثقفين والعلماء أن يعرفوا أسباب ترك منهج الله الواضح في القرآن، ونتائج هذا الهجر الكارثية التي عانينا وما زلنا نعاني منها، وكيف نجح أعداؤنا في إبعادنا عن الخير العميم في التمسك بالقرآن الكريم، وتطبيق كل ما جاء به دون توانٍ أو تواكلٍ أو استناد على ما سواه مهما كان.
أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال
-الفصل الثاني: أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال: وفي هذا الفصل يضع الباحث أيدينا على أصل الداء، وكيف تحول الدين إلى أركان شكلية، فاختصرت أسس الإسلام في خمسة أركان، وصارت غاية لا وسيلة، فمن يشهد ألّا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة ويحج البيت، صار مسلمًا كاملًا واستحق الجنة، وإن كذب، وسرق، وقتل، وخرب، وأرهب الناس؛ فكيف تحولت الوسائل إلى غايات، وكيف تم اختصار الإسلام في هذه العبادات الخمس التي هي وسائل تهدي الناس إلى الحق والخير والعدل، فعلى المسلم أن يؤدي تكاليف العبادة ويعمل صالحًا، ولا يوجد نص قرآني يرتب هذه العبادات ويذكر أنها أركان الإسلام، إن اتباع منهج الإسلام الذي ينظم حركة الإنسان وتعاملاته إذا لم تؤد العبادات إلى انضباطها كما بين الله في كتابه العزيز، فغير المسلم الذي يكف الأذى، ويعدل بين الناس، ويفعل الخير، ويسلم الناس من لسانه ويده، هو أفضل من المسلم الملتزم بالعبادات المقصر في المعاملات.
لذلك يجب استنباط أركان الإسلام الأساسية التي تنطق بها نصوص القرآن الكريم وتجعل المسلم مستقيمًا في عباداته ومعاملاته وفق المنهج الإلهي الذي يرتقي بكل من التزم به، وحافظ عليه.
عناصر الرسالة الإلهية
-الفصل الثالث: عناصر الرسالة: واحد وعشرون نصًّا قرآنيًّا تبين عناصر الرسالة الإلهية: خطاب الهدى، وحدة الرسالة، التكليف الإلهي، التذكير بالقرآن، أسلوب الدعوة، وحدة البشر، العدل الإلهي، حرية الاعتقاد، إن الحكم إلا لله، لا وصاية في الدين، الله هو الحكم، لا مبدل لكلماته.
الفصل الرابع: أركان الإسلام، تنقسم إلى ثلاثة محاور:
الأول: العبادات الخمس المشهورة إضافة إلى الإيمان، والتأمل.
الثاني: منظومة القيم والأخلاق، ست قيم مستنبطة من آيات القرآن الكريم:
-بر الوالدين: 5 نصوص قرآنية.
-العلاقات الزوجية: 19 نصًّا قرآنيًّا.
-حقوق اليتامى: 3 نصوص قرآنية.
-ضوابط الميراث: 5 نصوص قرآنية.
-الإنفاق في سبيل الله: 25 نصًّا قرآنيًّا.
-سلوك المسلم: 33 سلوكًا قويمًا، وستة نصوص قرآنية.
الثالث: المحرمات 22 محرمًا، و8 نصوص قرآنية.
رسالة الإسلام
-الفصل الرابع: رسالة الإسلام؛ رسالة إلهية كريمة للناس كافة؛ لتخرجهم من الظلمات إلى النور، فيسود الأمن والسلام حين تسود قيم العدل والحرية والإنصاف. وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الرسالة فأبلغها، وأمر المسلمين أن يعتصموا بدين الله ولا يتفرقوا، وقد فرطوا فيما يعصمهم من الزلل وهو القرآن الكريم، وتاهوا في روايات وتفصيلات، ما أنزل الله بها من سلطان، وصدقوا روايات كثيرة سوقها كثيرون من الأعداء، ولأن لكل أمة ما يصلح شأنها في الحاضر والمستقبل، فقد كانت الرسالة الإلهية للمسلمين تعتمد على:
-وجوب تنفيذ الأوامر الإلهية قولًا وعملًا، والاقتداء بالرسول الذي نجح في أن يطبق الرسالة الإلهية ويكون قدوة في ذلك (من 1 إلى 5 سورة البقرة).
-تحدد الرسالة الإلهية العلاقة بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى، فلكل شرعة ومنهاج، ووجوب التعامل مع الناس وفق ما أمر الله به (48 المائدة).
-التكليف الإلهي للرسول يأمره بإبلاغ أوامر الله ونواهيه وأحكامه للناس، ومن سمع وفهم وطبق ما أبلغ من أوامر الله، فاز في الدنيا والآخرة، وهنا يتضح وجوب الدعوة بما أمر الله به رسوله، وما وصلنا من الرسالة الإلهية وهي القرآن الكريم (المائدة 67).
-بين الله سبحانه وتعالي المهمة والعناصر والمنهج وأسلوب الدعوة لاعتناق الإسلام (125النحل)؛ حيث الحرية كاملة في أن يعتقد الإنسان ما يشاء، وأن الله وحده من يحاسب العباد، تحديد مسئولية الرسول والحدود التي يجب ألا تتجاوزها الدعوة (سبعة عشر نصًّا).
حصاد هجر القرآن
-إن كل ما رأيناه ونراه من ممارسات على الأرض تبتعد كل البعد عن الرسالة الإلهية التي جاء بها الإسلام، إنما هي حصاد هجر القرآن الكريم الذي يحث على التحلي بمكارم الأخلاق، والتمسك بالعدل، والحرية، وإعلاء كلمة الله السلام، إن الدعوة الملتزمة بالرسالة الإلهية هي الدواء الشافي من كل أمراضنا المعاصرة، فهي دعوة تجمعنا، وتقوينا، وتجعلنا موضع احترام.
-الفصل الخامس: الخطاب الديني؛ خطاب اعتمد على روايات، ورؤى لبعض المشايخ، والعلماء، فيما وصل إليهم من علم حول النصوص والروايات، وهذا الخطاب تسبب في تناحر وتنازع امتد لقرون عديدة، فقد أعلى بعض الأتباع أقوال شيوخهم لدرجات تفوق نصوص القرآن الكريم، التي يؤولونها وفق ما يعن لهم من مصالح وأغراض، وقد أدت هذه الخطابات الدينية المتعددة إلى إغراق المسلمين في بحار من دم، وجعلت بعض الفرق تستمتع بالقتل والنهب وارتكاب الفظائع، وتحت راية كتب عليها لا إله إلا الله.
-لقد أقنع البعض أن النص القرآني نص لا يفهم مقاصده إلا المتبحرون في العلم برغم كونه أحسن البيان، وأن التفكير فيه وتأمله وتدبر آياته فرض عين. لقد أفقدوا الإسلام عدله وإنسانيته وتسامحه، بما يؤولون به آيات القرآن من تأويلات أسطورية بعيدة عن الرسالة الإلهية السامية، فكل الناس سواسية لا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى، وهي أمر لا يعلم حقيقته إلا الله، وهو وحده من يحاسب من خلق على الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد محله القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، الذي يحذر الجميع من عصيان أوامره.
الخطاب الإلهي يخاطب عقل الإنسان
-الفصل السادس: الخطاب الإلهي؛ إن الخطاب الإلهي يوجهه الله إلى عقل الإنسان الذي ميزه به عن باقي مخلوقاته وهو مناط التكليف، يوجهه ليتدبر آيات الله، ويستوعبها، علامات تهدي وترشد، وتقوده لسعادة الدنيا والآخرة.
ويتأكد أن الله قريب منه يستجيب لدعائه، وعليه ألا ييأس من رحمة الله، فهو يغفر الذنوب جميعًا إلّا أن يشرك به، وعلى الإنسان أن يدرك مرادات الله من خلقه، ويستقيم في حركته في الزمان والمكان، ويحافظ على حقوق الله، وحقوق الناس، ويلتزم بما يرتقي به إنسانيًّا، ويرضي الله، فيسعد في دنياه وأخراه، وعلى كل إنسان أن يدرك أن نجاته في اتباع منهج الله الذي تتضح معالمه في القرآن الكريم، ولا يمكن أن يستوي كلام الله، وكلام البشر، في روايات لا توجد ثقة مطلقة في صحتها، ويطرح عدة تساؤلات حيوية:
ـ لماذا تمت مخالفة أمر الله للناس بالتدبر في آياته، وسمح للروايات أن تطغى على الآيات؟
ـ لماذا الإصرار على إغفال القرآن الكريم عند استنباط التشريعات التي تنظم علاقات الناس، رغم أن القرآن الكريم أرسى قواعد العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد، وحرية العمل، وحق الحياة الكريمة، وتحقيق الأمان للفرد والمجتمع دون تمييز؟
-لماذا الدفاع المستميت عن الروايات، كلما ذكرت آيات القرآن الكريم، والتي لا يمكن أن يجادل عاقل في كونها الأعلى، والتي تصلح شأن الفرد والمجتمع، وتقوم المفاهيم الضالة التي شوهت سماحة الإسلام وعدله؟
-لماذا لم يدرس علماء الأمة الأحداث الكارثية التي مرت بها، وأسبابها، يضعون منهجًا قويمًا لمنع تكرار الكوارث التي استمرت حتى الآن؟
-كيف سيرد علماء الأمة على اتهام الرسول لهم أنهم هجروا القرآن؟
اكتمال الدين
-لقد اكتمل الدين بنزول آخر آية، فماذا تطلبون بعد ذلك ألا تكفي آيات الله لتهدي الناس، وهل هناك أفضل منها للهداية. إن الخطاب الإلهي للعقل الإنساني ليتفكر في مخلوقات الله، وفي آياته ويصل إلى اليقين الذي تستقيم به حياته، ويحرره من العبودية لغير الله، ومن الخضوع للروايات التي تتعارض مع العقل والمنطق، العقل هو الذي يفرق بين الحق والباطل، ويكشف الحقيقة والوهم، وكل الجماعات الهدامة التي تستحل الدماء والأعراض والأموال، تبدأ بتعطيل العقل، وتقديس شيوخهم، وتوجب السمع والطاعة دون أي تفكير، وتغفل عن عمد أنه لا إكراه في الدين، ولا وصاية من أحد على حرية الاعتقاد، ولم يكلف الله أحدًا أن يجبر الناس على الاعتقاد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم.
-الفصل السابع: مصادر الخطاب الديني، أمثلة الفرق بين الخطابين. عشر روايات لأحاديث وأقوال وتناقضها الصارخ مع آيات القرآن الكريم، وإغفال الإرهابيين آيات القرآن الكريم، واتخاذ هذه الروايات ذريعة لقتل الناس واستحلال أموالهم وأعراضهم، وارتكاب الفواحش. لقد شوهوا على الأرض دين الرحمة والحق والعدل والحرية والسلام، ولم يتدبروا النص المقدس الوحيد الذي لم يعط حق تكفير أي إنسان حتى للأنبياء.
الانقلاب على الكتاب
-الفصل الثامن: الانقلاب على الكتاب؛ سرد أكثر من عشرين حادثة خلاف وقتل، القاتل مسلم والمقتول مسلم، بدءًا من الخلاف بين المهاجرين والأنصار على من يتولى الحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى قتل السلطان العثماني سليم الأول لشقيقيه اللذين اعترضا على عنفه، وإسرافه في القتل. وظهور عشرات الفرق والمذاهب والجماعات التي تبنَّى كثير منها العنف، وكفَّروا من لا يواليهم، واستباحوا ما حرم الله، ورفعوا راية لا إله إلا الله، ولم يتدبروا ما ورد في كتاب الله من رحمة وعدل ومساواة وحرية وسلام.
-الفصل التاسع: الخطاب الإلهي للناس كافة؛ أكثر من عشرة نصوص تبين كيف نقل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة الخالق سبحانه وتعالى إلى خلقه رحمة بهم ورأفة، ليتدبروا ما جاء فيها من توجيهات تسعدهم في دنياهم، وترضي خالقهم، فيجازيهم بسعادة دائمة في أخراهم، لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في الالتزام بالتوجيهات الإلهية، فيعبد الله الواحد، ويخشى الله، ويعمل صالحًا، ويستبق الخيرات، ويعامل الناس بالحسنى، مؤديًا تكاليف العبادات، وملتزمًا بالقيم النبيلة التي يدعو إليها القرآن الكريم، من: رحمة، وعدل، وإحسان، واحترام حقوق الناس، وتأدية الأمانات، والتي يجب على المسلم الصادق في إسلامه أن يلتزم بها قولًا وعملًا.
الخطاب الإلهي للمؤمنين
-الفصل العاشر: الخطاب الإلهي للمؤمنين؛ يوجه الله خطابه للمؤمنين بعدله وبإحسانه ليحميهم من شرور أنفسهم، ويرشدهم إلى ما يحفظ إيمانهم، ويحثهم على عمل الخيرات، ويحذرهم من اتباع الشيطان، يعلمهم شريعته، وما تدعو إليه من: رحمة وعدل وإحسان، والمحافظة على الحقوق، تحريم الظلم، وتحريم استباحة الحرمات، وتحريم قتل النفس إلا بالحق، ويعلمهم الصبر على المكاره، والاستعانة بالصلاة، والتقرب إليه ليجزيهم خير الجزاء، ويؤكد ذلك بأن أورد 68 نصًّا من 19 سورة من سور القرآن الكريم من سورة البقرة، وحتى سورة التحريم.
-الفصل الحادي عشر: القتال في سبيل الله؛ الخطاب الإلهي شمل تشريع للقتال في سبيل الله، محكوم بعدة ضوابط وردت في سورة البقرة آية (190) «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ». تشريع للدفاع عن النفس واسترداد الحقوق، والحفاظ على الأرواح والأموال والأوطان، وأورد أكثر من عشرين نصًّا قرآنيًّا، ولم يثبت أن أجبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا على الدخول في الإسلام.
-الفصل الثاني عشر: الجهاد في سبيل الله؛ وكما ورد في آيات القرآن الكريم ليست دعوة للاعتداء على الناس، وقتلهم، والتمثيل بهم، واستحلال أموالهم وأعراضهم، وأرضهم، بل بذل الجهد لإعلاء كلمة الحق ونشر الأمن والعدل، وبذل الجهد للبعد عن المعصية.
شكوى الرسول
-الفصل الثالث عشر: هجر القران؛ إن هجر القرآن، وشكوى الرسول لربه من أن قومه هجروا القرآن، دعوة لنا لنعض عليه بالنواجذ؛ لأن هجر القرآن الكريم أدى إلى هبوط المستوى الإيماني للناس، والثقافي والأدبي وتفككهم وتشرذمهم، وصار الناس لا يتدبرون الآيات القرآنية، ويعبدون الله عبادة شكلية، دون أن يكون لعباداتهم أثر على سلوكياتهم وحركة حياتهم، فكثرت المنازعات، وأكلت الحقوق، وضاعت الأمانات. لقد التبست مسائل كثيرة على الناس، العادات والتقاليد، والروايات والآيات؛ فاختلت معايير الرحمة والعدل والسلام التي يجب أن تستمد من النص القرآني، وتترجم واقعًا عمليًّا على الأرض.
-الفصل الرابع عشر: القرآن؛ تأكيد على أن القرآن الكريم وحده هو الرسالة الإلهية للناس في كل زمان ومكان، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة، ولم يزد من عنده عليها شيئًا، وإن هذه الرسالة الإلهية رسالة تامة كاملة لا يشوبها أي نقص، ولا تحتاج لزيادة، وأنها وحدها قادرة على إصلاح أحوال العباد والبلاد في كل زمان ومكان، قد أكدت آيات القرآن الكريم التي أوردها ما للقرآن من مكانة ودور وقداسة، وجاء ذلك في: 150 نصًّا قرآنيًّا من أول سورة البقرة وحتى الواقعة.
القرآن المصدر الوحيد للتشريع
-الفصل الخامس عشر: الخلاصة؛ مواصلة التأكيد على أهمية أن يكون القرآن الكريم بنصوصه المقدسة والمحفوظة إلهيًّا إلى يوم القيامة ــ أن يكون المصدر الوحيد الذي يتم استنباط كل ما يجعل حياة الفرد والأسرة والأمة أفضل، ويعيد لها التماسك، والرقي والتقدم، تكرار مقصود للآيات التي تبين أهمية القرآن الكريم كمصدر وحيد تنصلح به الأحوال، ومواصلة التأكيد على أهمية إعمال العقل، والتأمل في صنع الله كأساس من أهم أسس الإسلام، التأكيد على أن العبادات وسيلة وليست غاية، وأنها لا تنفصل عن حركة الإنسان في الحياة، وأن الدين سلوك قويم والعبادات وسيلة للوصول إليه، التأكيد على أن المسئولية تجاه القرآن وإعمال العقل مسئولية فردية، وجماعية، وأنه يجب على مثقفي الأمة أن يعملوا عقولهم لاستنباط ما يصلح أحوال الناس في الحاضر والمستقبل، والتأكيد على أن الخطاب الإلهي هو الخطاب الذي يفلح من يتأمله، ويستفيد من توجيهاته، ولا يهمل ما يدعو إليه من التزامات سلوكية من الإنسان نحو خالقه ونحو نفسه ونحو مجتمعه.
ويؤكد أن الفلاح في مخالفة كل ما حفلت به كتب القدماء من روايات لأعداء الله وأعداء الإسلام من اليهود والمجوس، فقد نجحوا إلى حد كبير في بث السموم في ثنايا الروايات والكتب التي يرجع إليها البعض فيضل ويضل الناس بها، وهي التي مزقت شمل الأمة، وأسالت أنهارًا من الدماء.
أهم الكتب في المكتبة العربية الحديثة
-وبعد هذه الإطلالة السريعة على كتاب من أهم الكتب التي صدرت في 2018م، نقدم للكاتب أسمى آيات الشكر والعرفان على هذه الصيحة القوية، التي سيجزيه الله عنها خير الجزاء، والتي نتمنى أن توقظ كل من يطلع عليها؛ فيوجه كل اهتمامه إلى القرآن الكريم، تلاوةً، وتأملًا، وفهمًا، وعملًا بكل ما أمر الله فيه، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، وهو مؤمن أن هذا سيسعده في الدنيا والآخرة، وأن يُعمل عقله في كل ما حوله، وكل ما يصله من روايات بشرية يجب ألا يلتفت إليها إن خالفت نصًّا قرآنيًّا أو روح النصوص وما ترشد إليه، وأن يفيق المثقفون وعلماء الأمة، ويضعوا أسسًا لتجميع شملها، وإعادتها إلى مصاف الأمم المتقدمة، وأن يتتبعوا كل ما أدخله أعداء الأمة في كتبنا القديمة والحديثة، فينقوا هذه الكتب منه، ولديهم الميزان الذي توزن به هذه الروايات والكتب ــ لديهم نص إلهي باقٍ إلى يوم القيامة، ولا يوجد كلام لأي بشر أفضل منه، ولن نتمكن دونه من التغلب على هذه الافتراءات التي شغلتنا عن الخطاب الإلهي، وألهتنا عن إعمال العقل، وعن توظيفه فيما يفيدنا، ويجعلنا الأقوى والأكثر تقدمًا.
-إن هذه الدعوة القوية للعودة إلى نصوص القرآن الكريم دعوة ضرب الكاتب المثل بنفسه وأورد مئات الآيات التي سيقرأها البعض ممن يهجرون القرآن لأول مرة ويتعجبون كيف للخطاب الديني أن يخفيها طوال هذه السنوات، وهي دعوة فيها خير للجميع ففيها طاعة لله وللرسول وصلاح لكل الأحوال، وإن الدعوة لإعمال العقل والبعد عن الخرافات والأساطير، وأن تتحكم في حياتنا العقلانية والمنطق السليم، هي دعوة تجعلنا نتقدم، ونحسن توظيف طاقاتنا، ونحافظ على ثرواتنا، ونصير أمة قوية متقدمة.
القرآن الكريم أساس لكل ما يجمع ولا يفرق
-لقد أجاد الكاتب في تركيزه على الدعوة لجعل القرآن الكريم أساس لكل ما يجمع ولا يفرق، وهي دعوة تتفق مع جهود مخلصة لمئات من العلماء في كل العصور، الذين اهتموا بالنص القرآني خفضًا وضبطًا، وأسسوا لحضارة عربية إسلامية سادت العالم مئات السنين، وما زال العلماء المنصفون في العالم كله وحتى الآن يذكرونهم بالخير ويثنون على جهودهم ومساهماتهم في الحضارة الإنسانية، لم يدع الكتاب إلا إلى استنباط ما يصلح أحوالنا من نص عابر لحدود الزمان والمكان هو القرآن الكريم، ويرى ــ وهو على حق ــ أن فيه ما يجعلنا ننتصر على كل شياطين الجن والإنس ممن كادوا لنا فتخلفنا عن ركب الحضارة، وما زالوا يكيدون لنا لنظل متفرقين ضعفاء يقتل بعضنا بعضًا، ويستبيح بعضنا دماء بعضٍ بنصوص تتعارض بوضوح مع النص القرآني المقدس، نصوص ما زال البعض يدرّسها ويقنع النشء بأنها صحيحة مقدسة؛ فينشأ إرهابي يستحل ما حرم الله، ويقتل الأبرياء بدم بارد، وهذا يوجب علينا أن نتحمل مسئولياتنا التي لفت الكتاب أنظارنا إليها، وأحسب أن هناك كثير من الكتب لعلماء مخلصين يمكن أن تؤطر لقيم حياتية إنسانية مستنبطة من القرآن الكريم تقود الجميع إلى التماسك والتقدم بقيم الرحمة والحق والعدل والإنسانية التي يزخر بها النص المقدس الوحيد الذي بين أيدينا.
-لقد وفق الله زيد بن ثابت فجمع القرآن بمنهج علمي سبق فيه المناهج العلمية بعشرات السنين؛ حيث فرض الفروض واختبار صحة الفروض والوصول للنتائج، كان رضي الله عنه يحفظ الآية، ويجدها فيما كتبه الصحابة، ويجد شاهدين على صحتها فيثبتها.
-والله سبحانه يوفق عباده الخلصين فيعلو صوتهم بالدعوة إلى العناية بكتابه تأملًا وتلاوةً وعملًا بما شرعه لنا.
-نسأل الله عز وجل التوفيق والسداد لما يصلح حال العباد والبلاد.