
وتتوالي انتصارات القرآن الكريم على الملحدين، مُنكري وجود الله، لتؤكد بالدليل والبرهان أن الله سبحانه وتعالى هو الواجد الموجود.
ففي الحلقة السابقة تحدَّثنا عن موقعة القرآن الكريم الأولى في مواجهة الملحدين بين نبي الله إبراهيم (عليه السلام ) و«النمرود» زعيم الملحدين.
وفي حلقة اليوم نلتقي مع الموقعة الثانية لهزيمة الملحدين والتي كانت بين نبي الله موسى (عليه السلام ) وفرعون مصر.
معركة الملحدين بين موسى والفرعون
يصور لنا القرآن الكريم تفاصيل المعركة بين سيدنا موسى (عليه السلام )، وفرعون مصر، لإثبات وجود الله مستدلًا بالبراهين الحقيقية التي لا تقبل النُكران.
وتبدأ المعركة كما وردت كاملة في صورة «طه»، بنُكران وجود الله من قِبَل فرعون كما قال سبحانه وتعالى: «قال فمن ربكما يا موسى قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49)».
ويرد موسى عليه السلام بقوله تعالى: «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50)».
ويحاول فرعون مصر إثبات الإلحاد وعدم وجود الله فيتساءل كما في قوله تعالى: «قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ (51)».
ويرد موسى عليه السلام بالحكمة والبرهان: «قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ (53)».
ويزداد الفرعون في عناده متهمًا موسى (عليه السلام ) بالسحر والتآمُر على قومه فيقول تعالى: «قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)».
ويضع الفرعون نفسه في تحدٍ كبير أمام نبي الله موسى الذي قَبِلَ التحدي، معتصمًا بكتاب الله والحجج والبراهين التي أيّده الله بها حيث ردّ على الفرعون قائلًا: «قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ (60) قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ(62).»
وتبدأ المعركة الفاصلة بعملية التشكيك في نبوَّة موسى (عليه السلام ) يقول تعالى: «قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ (64)»
وتحتدم المعركة فتصل إلى مرحلة الحَسْم فيقول تعالى : «قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ(66)».
كيف انتصر موسى على فرعون في معركة الإلحاد الكبرى؟
عندما يأتي التأييد من السماء، يكون معجزة فوق كل التوقعات، ويصبح أمرًا فوق كافة الإمكانيات البشرية، وهو الأمر الذي روَّع موسى نفسه.
ويصور القرآن الكريم هذا المشهد فيقول تعالى: «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِر وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69)».
وتنتهي المعركة بالانتصار المُبين لموسى (عليه السلام)، على فرعون مصر وانشقاق أنصاره عليه، كما في قوله تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ (71)».
ورغم الوعد والوعيد من قِبَل فرعون وجنوده إلا أن جنوده وسحَرَته يُعلنون صراحةً إيمانهم بما جاء به نبي الله موسى (عليه السلام).
ويصور القرآن الكريم هذا المشهد فيقول تعالى: « قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَاۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ (76)».