
- الصلاة على النبي - 25 مايو، 2023
- استراتيجية بناء النظام العربي - 22 مايو، 2023
- السلام أساسه العدل - 17 مايو، 2023
ولقد حَدَثَ اختلاف بينَ المسلمين في اجتماع المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة عمّن يخلف الرسول في إدارة شئون الناس، حيث كان كل فريق يعتقد بأحقيته في خلافة الرسول، وتولّي القيادة، لولا مبادرة الخليفة عمر بن الخطاب لوأد الفتنة تقدم لمبايعة أبي بكر الصديق، فبعد غياب الرسول عندئذ توارى النور الرباني وداهمتهم الدنيا بأطماعها وأهوائها وطغت الغرائز الإنسانية على النفوس واستحكمت فيهم الطموحات والأطماع فهم بشر ممن خلق سبحانه، حيث النفس الإنسانية واحدة وطموحاتها مشتركة بين الناس إلّا من استثناه الله من الرسلِ والأنبياءِ فقط. وتم تنصيب أبي بكر أول خليفة للمسلمين للقيام بمهام إدارة شئونهم وتأمين استقرارهم وحماية أمنهم بعد ذلك خفتت حدّة التوتر وهدأ القوم مؤقتًا وظلّ ما في النفس مختزنًا فيها إلى حين.
ثم تبع هذا الحدث امتناعُ بعض المسلمين عن دفع الزكاة، واعتبرهم الخليفةُ أبو بكر الصدّيق مرتدين، حيث أمر بقتالهم فسقط كثير من الصحابة في حروب الرِدّة علمًا بأن التشريع الإلهي في قرآنه الكريم لم يخول أحدًا من خلقه أن يكون قاضيًا على عباده فيما يخص عبادته ولم يعطِ حقًّا لرسول أو نبي أن يكون وكيلًا عنه في الحياة الدنيا أو وصيًّا على دينه، فاحتفظ الله بحقه وحده في محاسبتهم يوم الحساب، ولم يردْ نص في القَرآن الكريم فيه حكمٌ على المرتد من السلطة الدنيوية تأكيدًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: 54) وتسارعت الأحداث بداية من محاربة ما سمي بالمرتدين التي سقط في معاركها مئات من الصحابة والمسلمين تَلتْها فتنٌ ومعارك نَشبتْ بين المسلمينَ، أدّتْ إلى اغتيالِ ثلاث خلفاءِ من الَّذِين خَلَفوا الرسولَ صلّى الله عليه وسلم في إدارةِ شئون النّاسِ، وهم عُمر وعثمان وعليّ. كما أنه بعد مقتل عثمان حدثت معركة الجملِ بين أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله وعلي بن أبي طالب ابن عم الرسول بشأن مطالبة فريق أم المؤمنين القبض على المتهمين بقتل عثمان وبعد ذلك نشبت معركةِ صِفّيـن بيـن معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب، قتال من أجل السلطة وأحقية الخلافة بعد عثمان، التـي أفرزت نتائجُها فرقةَ الخوارج الذين انشقوا على علي بن أبي طالب، حينما وافق على التحكيم ثمّ بدأتْ حُروبُ الأمويّين والعباسيّين التي استمرتْ لعُقودٍ سقط في تلك المعارك آلاف المسلمين وما زالتْ الحروبُ والصراعاتُ مُستمرةً حتى يومنا هذا بينَ المسلمين، وما زال الأبرياء يسقطون مضرجين بدمائهم ظلمًا وعدوانًا عندما خلطوا الدينَ بالسياسة واتبعوا الروايات الشاذة التي أفرزت سمومها بين المسلمين محرضة على الفتن ومشجعة على قتال بعضهم، عندما امتزجت المصالح الدنيويّة بالأهواء وحبّ السلطة، وتمَّ التوظيف السياسي لها متبعين تفاسير الآيات التي تتناقض مع الآيات وتحض عل أطماع التسلّط وغزو المدن الآمنة تحت شعار الفتوحات الإسلامية، ومحاربة الكافرين تحت راية الإسلام ارتكبت المجازرُ التي لم تفرق بين المسلمين وغيرهم شيوخًا ونساءً وأطفالًا قتلًا وتشريدًا، شوهوا رسالة الإسلام وما تدعو إليه من رحمةٍ وعدلٍ ومحبةٍ بين الناس والإحسان إليهم. إنَّ تلك الأحداثَ تؤكدُ ما نَبَّأنا عنهُ القرآنُ الكريم، بأنّ الناسَ سوف ينقلبون على أعقابهم عندما تصبح الدنيا أكبر همهم بعدَ وفاةِ الرسول عليه الصلاة والسلام نسوا اللهَ سُبحانَهُ، فأنساهم أنفسَهم، عندما ابتعدوا عن رسالتهِ، التي تحميهم من شرورِ أنفسهم، واتبعوا الشيطان الذي أضلهم كما قالَ اللَهُ جلَّ وعلا: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ألَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة: 19)، ولمْ يجعلوا كتابَ اللهِ دليلَهم ومُرشدَهُم بل اتبعوا أهواءَهم فتفرقت بهم السبل عن الطريقِ الَّذِي رَسَمهُ اللهُ لَهُمْ.
المصدر:
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.