هجر القرآن وتغييب العقل (4-4)
يوجه الله خطابه للمؤمنين بعدله وبإحسانه ليحميهم من شرور أنفسهم

بقلم المستشار
صالح شرف الدين
نختتم في هذا المقال، ما استعرضناه في المقالات الثلاثة السابقة، حول نقد كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والذي يعد واحدًا من أفضل الكتب التي صدرت خلال عام 2018، لما تتضمنه من دعوة جرئية وصريحة للعودة إلى الخطاب الإلهي، ووقف الارتكان للخطاب الديني المشوه، الذي خلق الكثير من جماعات التضليل والإرهاب.
-الفصل العاشر: الخطاب الإلهي للمؤمنين؛ يوجه الله خطابه للمؤمنين بعدله وبإحسانه ليحميهم من شرور أنفسهم، ويرشدهم إلى ما يحفظ إيمانهم، ويحثهم على عمل الخيرات، ويحذرهم من اتباع الشيطان، يعلمهم شريعته، وما تدعو إليه من: رحمة وعدل وإحسان، والمحافظة على الحقوق، تحريم الظلم، وتحريم استباحة الحرمات، وتحريم قتل النفس إلا بالحق، ويعلمهم الصبر على المكاره، والاستعانة بالصلاة، والتقرب إليه ليجزيهم خير الجزاء، ويؤكد ذلك بأن أورد 68 نصًّا من 19 سورة من سور القرآن الكريم من سورة البقرة، وحتى سورة التحريم.
-الفصل الحادي عشر: القتال في سبيل الله؛الخطاب الإلهي شمل تشريع للقتال في سبيل الله، محكوم بعدة ضوابط وردت في سورة البقرة آية (190) “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”.
تشريع للدفاع عن النفس واسترداد الحقوق، والحفاظ على الأرواح والأموال والأوطان، وأورد أكثر من عشرين نصًّا قرآنيًّا…
ولم يثبت أن أجبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا على الدخول في الإسلام.
-الفصل الثاني عشر: الجهاد في سبيل الله؛وكما ورد في آيات القرآن الكريم ليست دعوة للاعتداء على الناس، وقتلهم، والتمثيل بهم، واستحلال أموالهم وأعراضهم، وأرضهم، بل بذل الجهد لإعلاء كلمة الحق ونشر الأمن والعدل، وبذل الجهد للبعد عن المعصية…
-الفصل الثالث عشر: هجر القران؛إن هجر القرآن، وشكوى الرسول لربه من أن قومه هجروا القرآن، دعوة لنا لنعض عليه بالنواجذ؛لأن هجر القرآن الكريم أدى إلى هبوط المستوى الإيماني للناس، والثقافي والأدبي وتفككهم وتشرذمهم، وصار الناس لا يتدبرون الآيات القرآنية، ويعبدون الله عبادة شكلية، دون أن يكون لعباداتهم أثر على سلوكياتهم وحركة حياتهم، فكثرت المنازعات، وأكلت الحقوق، وضاعت الأمانات.لقد التبست مسائل كثيرة على الناس، العادات والتقاليد، والروايات والآيات؛فاختلت معايير الرحمة والعدل والسلام التي يجب أن تستمد من النص القرآني، وتترجم واقعًا عمليًّا على الأرض.
-الفصل الرابع عشر: القرآن؛تأكيد على أن القرآن الكريم وحده هو الرسالة الإلهية للناس في كل زمان ومكان، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة، ولم يزد من عنده عليها شيئًا، وإن هذه الرسالة الإلهية رسالة تامة كاملة لا يشوبها أي نقص، ولا تحتاج لزيادة، وأنها وحدها قادرة على إصلاح أحوال العباد والبلاد في كل زمان ومكان، قد أكدت آيات القرآن الكريم التي أوردها ما للقرآن من مكانة ودور وقداسة، وجاء ذلك في: 150 نصًّا قرآنيًّا من أول سورة البقرة وحتى الواقعة…
-الفصل الخامس عشر: الخلاصة؛مواصلة التأكيد على أهمية أن يكون القرآن الكريم بنصوصه المقدسة والمحفوظة إلهيًّا إلى يوم القيامة ــ أن يكون المصدر الوحيد الذي يتم استنباط كل ما يجعل حياة الفرد والأسرة والأمة أفضل، ويعيد لها التماسك، والرقي والتقدم، تكرار مقصود للآيات التي تبين أهمية القرآن الكريم كمصدر وحيد تنصلح به الأحوال، ومواصلة التأكيد على أهمية إعمال العقل، والتأمل في صنع الله كأساس من أهم أسس الإسلام، التأكيد على أن العبادات وسيلة وليست غاية، وأنها لا تنفصل عن حركة الإنسان في الحياة، وأن الدين سلوك قويم والعبادات وسيلة للوصول إليه، التأكيد على أن المسئولية تجاه القرآن وإعمال العقل مسئولية فردية، وجماعية، وأنه يجب على مثقفي الأمة أن يعملوا عقولهم لاستنباط ما يصلح أحوال الناس في الحاضر والمستقبل، والتأكيد على أن الخطاب الإلهي هو الخطاب الذي يفلح من يتأمله، ويستفيد من توجيهاته، ولا يهمل ما يدعو إليه من التزامات سلوكية من الإنسان نحو خالقه ونحو نفسه ونحو مجتمعه.
ويؤكد أن الفلاح في مخالفة كل ما حفلت به كتب القدماء من روايات لأعداء الله وأعداء الإسلام من اليهود والمجوس، فقد نجحوا إلى حد كبير في بث السموم في ثنايا الروايات والكتب التي يرجع إليها البعض فيضل ويضل الناس بها، وهي التي مزقت شمل الأمة، وأسالت أنهارًا من الدماء…
-وبعد هذه الإطلالة السريعة على كتاب من أهم الكتب التي صدرت في 2018م
نقدم للكاتب أسمى آيات الشكر والعرفان على هذه الصيحة القوية، التي سيجزيه الله عنها خير الجزاء، والتي نتمنى أن توقظ كل من يطلع عليها؛ فيوجه كل اهتمامه إلى القرآن الكريم، تلاوةً، وتأملًا، وفهمًا، وعملًا بكل ما أمر الله فيه، والانتهاء عن كل مانهى عنه، وهو مؤمن أن هذا سيسعده في الدنيا والآخرة، وأن يُعمل عقله في كل ما حوله، وكل ما يصله من روايات بشرية يجب ألا يلتفت إليها إن خالفت نصًّا قرآنيًّا أو روح النصوص وما ترشد إليه، وأن يفيق المثقفون وعلماء الأمة، ويضعوا أسسًا لتجميع شملها، وإعادتها إلى مصاف الأمم المتقدمة، وأن يتتبعوا كل ما أدخله أعداء الأمة في كتبنا القديمة والحديثة، فينقوا هذه الكتب منه، ولديهم الميزان الذي توزن به هذه الروايات والكتب ــ لديهم نص إلهي باقٍ إلى يوم القيامة، ولا يوجد كلام لأي بشر أفضل منه، ولن نتمكن دونه من التغلب على هذه الافتراءات التي شغلتنا عن الخطاب الإلهي، وألهتنا عن إعمال العقل، وعن توظيفه فيما يفيدنا، ويجعلنا الأقوى والأكثر تقدمًا.
-إن هذه الدعوة القوية للعودة إلى نصوص القرآن الكريم دعوة ضرب الكاتب المثل بنفسه وأورد مئات الآيات التي سيقرأها البعض ممن يهجرون القرآن لأول مرة ويتعجبون كيف للخطاب الديني أن يخفيها طوال هذه السنوات، وهي دعوة فيها خير للجميع ففيها طاعة لله وللرسول وصلاح لكل الأحوال، وإن الدعوة لإعمال العقل والبعد عن الخرافات والأساطير، وأن تتحكم في حياتنا العقلانية والمنطق السليم هي دعوة تجعلنا نتقدم، ونحسن توظيف طاقاتنا، ونحافظ على ثرواتنا، ونصير أمة قوية متقدمة…
-لقد أجاد الكاتب في تركيزه على الدعوة لجعل القرآن الكريم أساس لكل ما يجمع ولا يفرق، وهي دعوة تتفق مع جهود مخلصة لمئات من العلماء في كل العصور، الذين اهتموا بالنص القرآني خفضًا وضبطًا، وأسسوا لحضارة عربية إسلامية سادت العالم مئات السنين، ومازال العلماء المنصفون في العالم كله وحتى الآن يذكرونهم بالخير ويثنون على جهودهم ومساهماتهم في الحضارة الإنسانية، لم يدع الكتاب إلا إلى استنباط ما يصلح أحوالنا من نص عابر لحدود الزمان والمكان هو القرآن الكريم، ويرى ــ وهو على حق ــ أن فيه ما يجعلنا ننتصر على كل شياطين الجن والإنس ممن كادوا لنا فتخلفنا عن ركب الحضارة، ومازالوا يكيدون لنا لنظل متفرقين ضعفاء يقتل بعضنا بعضًا، ويستبيح بعضنا دماء بعضٍ بنصوص تتعارض بوضوح مع النص القرآني المقدس، نصوص مازال البعض يدرّسها ويقنع النشء بأنها صحيحة مقدسة؛ فينشأ إرهابي يستحل ما حرم الله، ويقتل الأبرياء بدم بارد، وهذا يوجب علينا أن نتحمل مسئولياتنا التي لفت الكتاب أنظارنا إليها، وأحسب أن هناك كثير من الكتب لعلماء مخلصين يمكن أن تؤطر لقيم حياتية إنسانية مستنبطة من القرآن الكريم تقود الجميع إلى التماسك والتقدم بقيم الرحمة والحق والعدل والإنسانية التي يزخر بها النص المقدس الوحيد الذي بين أيدينا…
-لقد وفق الله زيد بن ثابت فجمع القرآن بمنهج علمي سبق فيه المناهج العلمية بعشرات السنين؛ حيث فرض الفروض واختبار صحة الفروض والوصول للنتائج، كان رضي الله عنه يحفظ الآية، ويجدها فيما كتبه الصحابة، ويجد شاهدين على صحتها فيثبتها.
-والله سبحانه يوفق عباده الخلصين فيعلو صوتهم بالدعوة إلى العناية بكتابه تأملًا وتلاوةً وعملًا بما شرعه لنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ناقد وباحث، عضو اتحاد كتاب مصر