
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19))
لقمان الحكيم، اختلفت حوله التفاسير، ولم يحدد أحد منها بشكل قاطع من يكون هذا الرجل الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، لكن كل تلك التفاسير أجمعت على أن مقولاته بمثابة دستور أخلاقي كامل، وكيف لا يكون ذلك والله سبحانه هو من منحه الحكمة، “ولقد آتينا لقمان الحكمة” ولذا لا يهم من يكون. المهم أن نعمل بوصاياه التي خلدها القرآن الكريم.
إذن ما هي تلك الوصايا؟ وكيف يمكن للأسرة أن تستعين بها في تربية أبنائها؟
-(يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
أول وصية تتعلق بالعقيدة لأنها محور ارتكاز الدين، والمعنى: احذر يا بني الشرك في عبادة الله، كدعاء الأموات أو الغائبين، والتوسل بهم لقضاء الحاجات، كما يفعل البعض من زوار مساجد أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) والأضرحة المختلفة.
-(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
الآية واضحة في الحث على بر الوالدين والترفق بهما والإحسان إليهما، وفيها قرن “لقمان” وصية ابنه بعبادة الله وحده بالبر بالوالدين، لعظم حقهما، فالأم حملت ولدها بمشقة، والأب تكفل بالإنفاق، فاستحقا من الولد الشكر لله، ثم لوالديه.
-(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
قال بعض المفسرين في معنى الآية: (أي إن حرصا عليك كل الحرص أن تتبعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، لكن لا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفًا أي محسنًا إليهما، واتبع سبيل المؤمنين).
والآية كما هو الواضح لا علاقة لها بأفعال كثير من المسلمين، خاصة من يعتقدون أنفسهم ملتزمين بالدين، إذ يتعامل غالبهم مع والديه بغلظة، إن هم قصروا مثلًا في الصلاة، أو أداء السنن، وبدلًا من أن يلتزم معهم الرفق، ويتحلى بتعاليم القرآن تراه يتعامل معهم باستعلاء، وسخرية!
-(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
قال بعض المفسرين: أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة من خردل أحضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
والآية فيها إشارة واضحة إلى ضرورة العدل بين الناس، وعدم ظلمهم، أو التعدي على حقوقهم، أو انتقاص أجرهم، أو عدم الإيفاء لهم بالوعود.
-(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ): أي أدها بأركانها وواجباتها بخشوع. وليس كما يفعل البعض بالتهاون فيها، أو عدم الخشوع بها.
-(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ):
هذا الأمر يفهمه البعض خطأ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون بالغلظة والقسوة، فقد نهى القرآن عنهما، وإنما يكون بلطف ولين، فهذا ما يجعل المأمورين ينفذون ما أُمروا بحب.
-(وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ):
ولأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيناله بعض الأذى ممن يأمرهم أو ينهاهم، فإن القرآن هنا يأمره بالصبر وضبط النفس، ويعتبر ذلك من عزم الأمور وأصعبها على النفس، ولو كان الأمر بالمعروف بالغلظة والقسوة لما أمر القرآن هنا أصحابه بالصبر.
-(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ): أي لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن ألن جانبك وأبسط وجهك إليهم.
-(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا): أي خيلاء وتكبر، جبار عنيد، لا تفعل ذلك يبغضك الله، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}؛ أي مختال معجب بنفسه، فخور على غيره.
-(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ): أي امش مشيًا مقتصدًا، ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلًا وسطًا بين بين.
-(وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ): أي لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه.
أما فيما يتعلق بلقمان الحكيم فتقول بعض الكتب إنه كان رجلًا حكيمًا، وليس نبيًّا كما يعتقد البعض، وأنه عاش في عهد النبي داود عليه السلام.