طاقة نور

بارقة أمل في عصر الظلمة (2-2)

الخطاب الإلهي هو قول الله تعالى في كتابه الكريم.. والفارق بين الحق والباطل قولك «قال فلان»

بقلم الدكتور
كامل حسن الدليمي

 

إن كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، يشكل انعطافة في التفكير الإصلاحي المبني على أسس رصينة لايمكن التشكيك بصحتها، ذلك أنه اعتمد الخطاب الإلهي في الفصل بين المختلفات، وهذا ما نحن بأمسّ الحاجة له، فقد شرذمتنا الخطابات الدينية التحشيدية لمذهب أو لطائفة وجعلت دم المسلم أرخص من مياه البحار المالحة.

يقول المؤلف: “دللت آيات القرآن الكريم على سوء النوايا عند بني إسرائيل، وشخصت النفس الإسرائيلية وفضحت مطامعهم اللامحدودة وارتكابهم لأبشع الجرائم لتحقيق مآربهم…” ص37.

وهذا ما أثبتته الوقائع على الأرض من خلال الجهد الكبير الذي تبذله إسرائيل للنيل من الدين الإسلامي، وخصوصًا القرآن الكريم الذي فضح تاريخهم وعرج على مثالبهم في قتلهم لأنبيائهم وحربهم ضد رسولنا الأكرم (ص) على الأرض، والحرب الفكرية التي ما توقفت إلى يومنا هذابقول البشر عرض الحائط فما من حجة على المخلوق سوى العقل، به أدرك أن القرآن الكريم هو كتاب منزل لا يأتيه الباطل من أي جهة من جهاته بناء على قوله تعالى {نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

وعلى هذا المنوال وجدت أن المؤلف قد افتتح بحثه، ورغم أن هذه الدعوة المخلصة لعامة المسلمين هي من دعوات العقلاء والمعتدلين، إلا أنها تصطدم بجدار الجهل الذي بنته الفرق والمذاهب المتخلفة وجعلت منه حائلًا بين الحقيقة والعقل.

ثم توغل المؤلف في شرح ما يتضمنه بحثه هذا، وكلما تابعت معه في القراءة كلما ازددت ثقة بأن الرجل يقف على قاعدة متينة وينطلق من نقطة انطلق منها كل عقلاء الأمة، وهي القرآن الكريم الذي يشكل الحجة الوحيدة على من آمن بالرسالة الإسلامية بأن يخضع لمتبنيات النظام القرآني في تنظيم شئون الحياة، لاسيما تنظيم علاقة المخلوق بالمخلوق، والتي تسببت في كل هذه الصراعات وأنتجت كل هذا الخلاف بين الآراء المختلفة والأفكار التي أنتجتها عقول تنتمي للإسلام في ظاهرها، وهي مغلفة بالجهل والخديعة تحاول تفريق وحدة الأمة وشق صفها.

ثم عرج المؤلف على مسألة في غاية الأهمية يشكل التصريح بها خطرًا كبيرًا وقد يعرض متبنيها للتصفية الجسدية، وهو موضوع تأليه أشخاص مخلوقين على حساب الخالق في وضح النهار وبلا حياء، وربما يصل الأمر إلى أن بعض الفرق جعلت من رموزها بديلًا عن الخالق؛ فطلبت منها الصفح والغفران والرزق والصحة والمال والبنون وما إلى ذلك، متناسية رب العزة الخالق القادر على كل شيء، وهذه الظاهرة قد تسببت في إشاعة الفساد وسوء الخلق بين الناس لإقناعهم بأن فلان يشفع لمرتكب أي إثم، شريطة أن تبجله وتعليه فوق مقام الخالق، ولا أحد يستهجن أو يعجب من هذا القول بالله هو حاصل في معظم المذاهب والفرق المحسوبة على الإسلام، وحسنًا فعل المؤلف في تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة.

وقد خلص المؤلف إلى حقائق يؤمن بها كل المعتدلين، إلا أنهم لا يصرحون بها، وهي أن الخطاب الديني اعتمد أقوال البشر وبنا عليها أفكاره واستنبط منها أحكامه وركن إليها تمامًا، وهذا المنهج هو سبب التشرذم.

أما الخطاب الإلهي فهو قول الله تعالى في كتابه الكريم، وأقول على مسئوليتي إن الفارق بين الحق والباطل قولك “قال فلان”، فهي تحتمل الخطأ والشذوذ، وقولك: “قال الله” هو الحق. والمرء مخير في اتباع أحد السبيلين؛ فذاك الباطل وهذا الحق المبين.

وما أريد قوله في نهاية هذه الإطلالة اليسيرة على كتاب “المسلمون”:

  • أهنئ المؤلف الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي على هذا الجهد الكبير والدعوة المخلصة، آملًا أن يصل هذا المطبوع لمعظم الأيادي العربية، خصوصًا تلك القطعان التي اتخذت من الآلهة الأرضية بديلًا عن الخالق فقدست مالا يستحق التقديس، وأهملت المقدس.
  • أتمنى على المؤلف مضاعفة الجهد في تنظيم جولات لدور العلم في مختلف أرجاء الوطن العربي؛ لإنقاذهم من السموم الطائفية والمذهبية التي تحقن في عقولهم، ولا أعتقد أن الأستاذ المؤلف بهذا الاندفاع وهذه الغضبة لله يمانع من ذلك، فنحن أمام مسئولية كبيرة سيحاسبنا الله على الصمت على هذا الخراب الفكري.
  • أتمنى أن يتشبث الباحث بجعل مختصر كتابه منهجًا لأي مرحلة من مراحل الدراسة، واستبعاد المناهج الكارثية التي تدرس بإشراف المستفيدين من فرقة الأمة وانهيار بنيتها الفكرية.
  • أعترف في نهاية هذا الإيجاز من أن الكتاب يستحق الدراسة والتمحيص وتسليط الضوء على كل ماورد فيه، ولا أدعي بهذه العجالة أنني وفّيته حقه وحسبي أنني حاولت.
  • شكري وامتناني لدار النخبة القاهرية، نعم حينما تكون صناعة الكتاب في مشغل ينتمي للفكر والثقافة، بالتأكيد هي أفضل من الدور التجارية التي تضع الربح نصب عينيها.

 

_____________________________

*كاتب وناقد عراقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى